في طريق مطار النجف الأشرف أوقفنا السائق لحظات قليلة، هناك اتصال من الشركة في تاخير الطائرة إلى التاسعة صباحا ..
ضجر المسافرون وأخذ البعض يتذمر من سوء التصرف وإدارة الحملات وبينما البعض أخذ يعلق على الوضع السياسي والاقتصادي هناك من رأى المشهد من زاوية أخرى، شيخ كبير وقف في منتصف الحافلة وبدا حديثة بابتسامة: ليست الشركة وليست الطائرة سبب التأخير هذه الدعوة خاصة وجهت لكم أنتم قبل الرحيل إلى بيت الله وأداء العمرة ، أنتم الآن في ضيافة المولى أبا الحسن وسفير الحسين مسلم ابن عقيل ..
نعرج الليلة إلى زيارة مسلم ابن عقيل ونقيم مأتم عزاء وبعدها نعود إلى رحلتنا إن شاء الله فلكن أهلا لهذه الدعوة .
رفع الزائرين أصواتهم بالصلاة على محمد وآل محمد وسار بنا نحو قبر الامام علي وبعدها توجهنا نحو مسلم ابن عقيل في الكوفة ..
هنا تبادر في ذهني الانسان يختار هذه الزيارات في وقتها من دون التفكير في الأمر، صعوبته فقط تأتي الموافقة مباشرة من دون أي تردد أو تأجيل ..
هل نحن نعرف مسبقا قيمة زيارة هذه القبور وأصحابها أم أننا اعتدنا على أمور الزيارة وطقوسها؟.
أسير وتسير معي تساؤلات، ثمة شيخ كان يقرأ مجلس عزاء في الصحن الشريف، جلست لعلي أجد إجابة لسؤالي أو أحمل معلومة معي حيث الديارة المقدسة .
جلست وبيدي مسبحتي كنت أنتبه جيدا لما يقوله الشيخ بعيدا عن ضجيج الزائرين..
يحظى مسلم بمكانة مرموقة عند أهل البيت (عليهم السلام) وقال الشيخ: هناك محطات كثيرة منيرة في حياة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه يقتبس منها الإنسان الدروس، يستلهم منها الفضائل، تنير له دربه في حياته اليومية، منها بما يقربه إلى الله عز وجل ورسوله وأهل بيته صلوات الله عليهم، والقرب من الله عز وجل يكون بعبادته وطاعته، والقرب من الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام).
ولادته وأسرته: ولد مسلم بن عقيل في المدينة المنورة سنة 22هـ. و الده هو عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم.
أمّه أم ولد (أي جارية) يقال لها عليّة اشتراها عقيل بن أبي طالب. (مقاتل الطالبيين ص52)
كنيته: أبو داود.
زوجاته وأولاده: تزوج بابنة عمّه رقية بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) المعروفة برقيّة الصغرى، فولدت له عبد الله، وقد رافقت زوجته رقية أخاها الإمام الحسين (عليه السلام) مع ابنها عبد الله في خروجه من مكة، فاستشهد عبد الله في كربلاء وأمه تنظر إليه على يد عمرو بن صبيح لعنه الله، حيث أصابه بسهم وكان واضعا يده على جبينه ليتقيه، فأصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهته فسمرها به، ولم يستطع تحريك يده طعنه آخرٌ برمح في قلبه.
كما تزوج مسلم بأم ولد فولدت له محمدا الذي استشهد في كربلاء على يد أبي مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني.
كما نقل الشيخ الصدوق في أماليه قصة طفلين صغيرين لمسلم بن عقيل .
عرف بقوة البدن الفتوة، ففي بعض كتب المناقب: أرسل الإمام الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل إلى الكوفة وكان مثل الأسد، وكان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت.
وجعله أمير المؤمنين (عليه السلام) على ميمنة العسكر مع الحسن والحسين (عليهما السلام) وعبد الله بن جعفر الطيّار، بالرغم من أن عمر مسلم لم يبلغ آنذاك الثامنة عشر عاما.
بعد موت معاوية عليه أشد لعنات الله تعالى وانقضاء مدة الصلح وتخلف معاوية اللعين عن بنود الصلح أرسل الإمام الحسين (عليه السلام) .
ولما وصل الكوفة نزل دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وبايعه 18 ألفا من أهلها وكانوا يترددون عليه بشكل علني، فأرسل كتابا إلى الإمام الحسين (عليه السلام) بتاريخ 12 ذو القعدة مع عابس بن شبيب الشاكري يخبره ببيعة أهل الكوفة له.
واشتكى جماعة من أتباع بني أمية إلى يزيد من حال الوالي النعمان بن بشير واتهموه بالضعف وطالبوا بتغييره لعدم مواجهته حركة مسلم بن عقيل (عليه السلام) بالقوة والبطش، فوافق يزيد على جعل عبيد الله بن زياد (عليهما أشد اللعنات) والعذاب واليا عليها مضافا إلى ولايته على البصرة، فقدم ابن زياد اللعينين إلى الكوفة ومعه جمع من خاصته، وأخذ يهدد الناس ويتوعّدهم، وأخذت سياسة التهديد تؤثر في النفوس الضعيفة، فتحوّل مسلم عليه السلام إلى دار هانئ بن عروة وصار الشيعة يتحولون إلى داره بشكل مخفي إلى أن اعتقل هاني بن عروة فخرج مسلم بن عقيل (عليه السلام) يوم 8 ذو الحجة هـ فتخلف أهل الكوفة عن نصرته حتى بقي وحيدا، وبقي ليلته في دار امرأة مؤمنة اسمها طوعة بعد أن قبلت باستضافته.
استشهد مسلم بن عقيل في الكوفة يوم 9 ذو الحجة سنة 60هـ بعد يوم واحد من خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة، وبعد مقاومة شديدة قتل فيها جمعا من جند ابن زياد تم إلقاء القبض عليه غدرا من قبل جيش ابن زياد، وقد أمر ابن زياد بقطع رأسه بالسيف وإلحاق بدنه بجسمه، فرفع أعلى قصر الكوفة فقتله بكير بن حمران الأحمري، ثم رميت جثته الطاهرة من أعلى القصر، ودفن بعد ذلك في مشهده المجاور لمسجد الكوفة.
فقد قال الإمام الحسين (عايه السلام) في حقه حينما أرسله إلى أهل الكوفة: «وإني باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل.
وأن يكون مسلم بن عقيل أخا لسيد الشهداء (عليه السلام) فهذا اختصاص وفضل عظيم، وكذا أن يبلغ رتبة يكون فيها موضع ثقة الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد كان عينا للإمام الحسين (عليه السلام) ونقل له الصورة بحسب الظاهر.
وجاءت في زيارة مسلم بن عقيل الإشارة إلى بعض الجهات الموجبة للاعتماد وهي: «أشهد لك بالتسليم والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل».
فقد كان مسلّما لإمامه فيما يقول، ومن الشواهد الجلية على ذلك قصة ما جرى عليه في بعثه إلى الكوفة من قبل سيد الشهداء (عليه السلام) سفيرا له، إذ أخذ معه دليلين فتاها وماتا في الطريق، فالتجأ إلى قرية يقال لها "المضيق"، وكتب إلى سيد الشهداء (عليه السلام) معربا عن تشاؤمه من سفره لما جرى على الدليلين وسأله أن يعفيه من هذه المهمّة، فأجابه الإمام (عليه السلام) بإلزامه تحمل المهمة، فسلّم له وأذعن لأمره.
أما الوفاء للإمام الحسين (عليه السلام) فقد تجلى في حرصه على إيصال رسالة للإمام الحسين (عليه السلام) يذكره فيها بغدر أهل الكوفة وهو على مسافة قريبة من الموت في قصر الكوفة.
فعندما ألقي القبض عليه بكى، فقيل له: «إن من يطلب مثل الذي تطلب لا يبكي، إذا نزل به الذي نزل بك لم يبك، قال: إني والله ما لنفسي بكيت، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ، أبكي للحسين (عليه السلام) وآل الحسين».
وقد ظهرت نصيحة مسلم بن عقيل في إبلاغه الإمام الحسين (عليه السلام) ما يراه من ظواهر الأمور، كما في الرسائل التي كتبها إلى الإمام الحسين (عليه السلام) من الكوفة، وكذلك حينما قدّر أنّ الأفضل أن يبتعد الإمام الحسين (عليه السلام) من الطريق العام حينما خرج من المدينة متوجّها إلى مكة .
القناعة في الرزق حتى الموت :
فإنه بعد قتاله وأسره من قبل أتباع ابن زياد كان قد أصابه العطش الشديد، فلما أخذ إلى قصر ابن زياد رأى قلة (جرّة، كوز) مبردة موضوعة على بابه فقال: «اسقوني من هذا الماء» ، فقال له مسلم بن عمر وأبو قتيبة بن مسلم الباهلي: أتراها ما أبردها، فوالله لا تذوق منها قطرةً واحدة حتى تذوق الحميم في نار جهنم، فقال له مسلم: «ويلك، ولأمك الثكل، ما أجفاك وأفظك وأقسى قلبك، أنت يا بن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم»، ثم جلس فتساند إلى حائطٍ فرقّ له عمرو بن حريث فبعث إليه غلاما له فجاءه بقلة عليها منديل وقدح معه فصب فيه الماء ثم سقاه، فأخذ كلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دما من فيه فأخذ لا يشرب من الدم.
وفعل ذلك مرة أو مرتين، فلما أراد أن يشرب الثالثة سقطت ثنيتاه في القدح، فقال: «الحمد لله، لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته».
ومن المعلوم فقهيّا أنه لا يجوز شرب الماء المتنجس بالدم، ومسلم لم يحدّث نفسه بأنه في حالة الحرج الشديد المسوّغة لشرب المتنجس، بل تركه حتى بعد قدرته عليه بعد سقوط أسنانه، وأسلم الأمر لربه وقال عبارة تدل على يقين شديد وكأن المشيئة الإلهية اقتضت أن يواسي سيد الشهداء (عليه السلام) في عطشه.
ومن الشواهد على ورع مسلم حرصه على أداء دينه في اللحظات الأخيرة من عمره، فقد روى أبو الفرج الاصفهاني أن ابن زياد حينما أخبر مسلما بقتله، قال مسلم: دعني إذن أوصي إلى بعض القوم، قال: أوص إلى من أحببت، فنظر ابن عقيل إلى القوم وهم جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد، فقال: يا عمر إن بيني وبينك قربة دون هؤلاء، وقد يجب عليك لقرابتي نجح حاجتي، وهي سر، فأبى أن يمكنه من ذكرها، فقال له عبيد الله بن زياد: لا تمتنع من أن تنظر في حاجة ابن عمك، فقام معه وجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد - لعنه الله - فقال له ابن عقيل: إن عليّ بالكوفة دينا استدنته مذ قدمتها، تقضيه عني حتى يأتيك عني غلتي من المدينة، وجثتي فاطلبها من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين فيرده، فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال؟ قال: اكتم ما قال لك، قال: أتدري ما قال لي؟ قال:
هات، فإنه لا يخون الأمين ولا يؤتمن الخائن، قال: كذا وكذا، قال: أما مالك فهو لك، ولسنا نمنعك منه فاصنع فيه ما أحببت، وأما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده، وإن أرادنا لم نكفّ عنه، وأما جثته فإنا لا نشفّعك فيها، فإنه ليس لذلك منا بأهل وقد خالفنا وحرص على هلاكنا، وهو أول شهيد سحبت جثّته في الإسلام، فلم ينقل التاريخ عمن سحبت جثته قبله.
وهو أول رأس يحمل من بني هاشم، وهو أول من صلبت جثته بعد قتله، وفيه وفي هاني بن عروة يقول عبد الله بن الزبير بن الأشيم بن الأعشى:
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل
ترى جسدا قد غيـرت المـوت لونه .
أنهى الشيخ كلامه بأبيات العزاء وحمدت الله كثيرا لهذا الاختيار الموفق حيث أنني لم أكن أعلم بهذه المعلومات من قبل لو تلك الطائرة التي تأخرت اعدت لزيارة مرة أخرى وهذه المرة كانت بيقين ثابت بحسن اختيار ونجاح الاختبار فكل مسار في حياتنا نحتاج أن نعرف ماهو الاختيار وما هو الاختبار..
اضافةتعليق
التعليقات