بعد أن سكنت أركانه الخيبة وأغرقت عيناه دموع الحسرات على ما جنته يداه أخذ يقلب كفيه كأنه يعاتبها قائلاً: هذا ما أكافئ به بما فعلته، وتسيل دمائه لتختلط بدموع الندم، تترى عليه الأصوات من الذي اصابك وكيف؟! اخبرنا علنا نأخذ بثأرك إن الدم لا يقارن بشيء دعنا نقاضيه عشائرياً ونرد بكل قطرة دم سقطت منك ضعفاً، اخذ ينظر الى نفسه في المرآة انه هو، هو من فعل هذا بي؟!
عجباً لك من هو الفاعل الذي تقصده، أشبك أصابع يديه وحسر رأسه وانهار على الارض ليضرب رأسه مرة بعد أخرى، انه انا من فعل هذا بنفسي، الجميع انتابه العجب من كلامه ما الذي تقوله؟! نعم عندما كان ابي يذهب الى الصحراء ويجلس هناك وحيداً كنت اختبئ له خلف الصخور لأرميه بحجارة فتسيل دماؤه وعندما ينهض لا يرى اي أثر لي فأعود الى منزلنا مبتهج بفعلتي، واليوم قد عادت الكره لي وبينما كنت جالس بعيداً عن المنزل وأتأمل اختبئ لي ولدي واخذ يرمي الحصى فأصابتني برأسي واخذ يضحك مستئنساً بما فعله، حينها أدركت ما صنعته لي وبيدي هاتين فالأولاد ما هم الا بذور لأبويهم.
كثيراً ما يعاقبنا القدر بنتائج أعمال لم نكن نوقن بخطورتها أو مدى تأثيرها بعد حين، فتأخذنا الدنيا بمغرياتها وتجرنا بأمواج الغفلة التي تجعلنا نفكر في أنفسنا وما نلتذ به في تلك اللحظة مبتعدين كل البعد عن المسؤولية الملقاة على عاتقنا والواجب المكلفين فيه.
فالأبناء لهم حقوق، على الآباء أن يتقنوا تربيتهم ومن المفترض أن يدرس الآباء خطوات حياتهم التي يرغبوا أن يروها في أولادهم كي تنال الرحمة ارواحهم في الدارين، اما ما نراه اليوم من ظهور جيل ذو أفعال تكبر عمره بمرات تجعل الأهالي يعيشون في حالة صدمة من فعل اولادهم. فالأب الذي يراه ابنه مثال في كل شيء ويتعلم منه ما يقوم نفسه ويساعد على بناء شخصيته يجعل اباه في مقام القدوة الذي يستثنيه من أي خطأ قد يراه وكذلك الام يراها الابناء مثالهم الذي يستحيل أن يخطئ.
فعندما يتحرر الأب أو الأم من اجواء البيت ويتخذ من العزلة والبعد عنهم فرصة لممارسة لذاته واستغلال ذلك الوقت في الأعمال الشيطانية المزينة له، فإن من الطبيعي ان يروا تلك الهفوات التي استمتعوا بها قد ارتسمت في ذات أولادهم وقد كونت صورة عن افعالهم الخاطئة التي أودعوها في اولادهم، ولكنهم لم يجعلوا مراجعة النفس والانتباه لتصرفاتهم مقياس لمدى نجاح تربيتهم فيدعون أولادهم من غير علم ملتذين بما شغلهم من اللذات الغانية آسرين ابناءهم نحو الهاوية بيدهم دون ادراكهم بذلك.
أما في حقيقة الأمر إن الانسان محاسب على خطواته وقراراته في حياته لأنه جزء من الرسالة التي خلقنا من أجلها والتي ذكرها الامام السجاد في رسالة الحقوق في حق الابن على الآباء "وأما حق ولدك فتعلم أنه منك، ومضاف إليك، في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربه، والمعونة على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك، ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه فيما بينه وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه ولا قوة إلا بالله...".
من هنا تنبثق أهمية التربية الصحيحة التي تنمي تلك البذور التي تصبح أشجاراً مثمرة فيما بعد فلابد من مراعاة السقي لها فمن تأخذه الدنيا وتغره المظاهر الفانية ينخرط في ساحات الغرور واللهو والابتعاد عن التكاليف الشرعية التي خصت له، مكتفين بما امتلكوا من أمور فانية لا تغنيهم من نار جهنم ولا تدفع عنهم سؤال منكر ونكير.
واعلموا أن حياة أولادكم ماهي إلا انعكاس لحياتكم وإعادة الكرة مرة أخرى بوجودهم وفنائكم.
اضافةتعليق
التعليقات