لم تكتفِ الحاجة أم ياس بارتدائها السواد كتعبير عن حزنها لمصاب أبا الاحرار الحسين ابن علي (عليه السلام).
بل رفعت رايات سوداء على سطح بيتها ايذاناَ بالحزن, وحمراء كرمز لدماء الشهادة, وأخرى خضراء لانتمائها للبيت العلوي.
لم يكن بيت أم ياس الوحيد من يقوم بهذه الطقوس في ذلك الزقاق بل كل أقرانها من الجيران, حيث يتسارعون برفع رايات الحزن وغيرها من الطقوس, كما للأطفال نصيب في ذلك من خلال نصب التكايا قرب أبواب بيوتهم.
(بشرى حياة) أجرت هذه الجولة الاستطلاعية حول طقوس استقبال العوائل الكربلائية لشهري محرم الحرام وصفر:
عادات لن تضمحل
حدثتنا أم غيث قائلة: "انا استقبل شهري محرم وصفر, بنشر السواد في غرفة الضيوف، وذلك بوضع وشاح أسود على الجدار كرمز للحزن، كما لا يخلو بيتي من العزاء النسوي الذي أقيمه خلال شهري الحزن".
وأكدت: "إن هذه العادات الحسينية لن تضمحل بل سيتعاقبها الأبناء والأحفاد إلى آخر العمر, إذ كانوا أجدادنا يستقبلون عاشوراء بهذه الطقوس, وها نحن نكمل الطريق من بعدهم".
والتقينا بالحاج أبو ابراهيم الذي كان منهمكا بوضع مكبرات الصوت على شرفة بيته المطلة على الزقاق حدثنا قائلا: "إن عاشوراء هي رسالة حسينية مقدسة خطت بدم الشهادة من أجل رفع راية الحق، وما أقدمه هو جزء ضئيل مقابل تضحيته الكبيرة بأهل بيته ورفاقه".
وأضاف: "وما تشاهدوه الآن هي طقوس أزاولها منذ سبعة سنوات, وهي تنصيب مكبرات صوت أربطها في السنة مرتين مرة في شهر رمضان الكريم لنقل الآذان والتمجيدات وغيرها من الطقوس الرمضانية، كما أقوم بنصبها من جديد في شهري محرم وصفر وذلك لنقل واقع عاشوراء سوى عبر اسطوانات الصوت أو من شاشة التلفاز أو الراديو, لمواكب العزاء أو الاذان أو المقتل وغيرها، وأحرص على مراعاة اوقات التشغيل حفاظا على الذوق العام, بعدم ازعاج الجيران, سوى إن كان لديهم مريض أو ضيوف".
وتابع: "وليومنا هذا لم ألاقي أي امتعاض أو تذمر من أحد الجيران, من امرأة أو شيخ وحتى الطفل, على العكس بل أجد الكثير من الاطفال وكبار السن يحضر كرسيه من بيته ليجلس بمحاذة بيتي للاستماع، ومن أجل هذا وفرت قبل ثلاثة اعوام تقريبا حديقة بسيطة لجمالية المكان وتلطيفه.
فضلا عن طرقهم للباب وسؤالهم إذا توانيت يوما عن تشغيل المكبرات، خوفا من أكون مرضت أو تعطلت احداهن وذلك لغرض تكفل تشغيلهن بالنيابة عني, أو دفع تكاليف الصيانة".
ختم حديثه: "إن ما نسارع به من استذكار لطقوس عاشوراء هو نابع من الحب الفطري والايمان بالقضية الحسينية، نأمل أن يتقبل الله منا هذا القربان وأن يكون الحسين (عليه السلام) شفيعنا يوم المحشر".
كربلاء.. ومراسم عاشوراء
وهكذا تبدأ مراسيم عاشوراء في كربلاء وفي كل بقاع الأرض, وهي تتلوا بتحضيراتهم قصص عشقهم الازلي، التي تسرد واقعة الطف بطرق شتى, سوى بنشر السواد, أو مكبرات الصوت, أو رفع الرايات, أو اقامة مواكب العزاء, أو نصب التكايا, إذ جميعها تصب في منهل واحد وقضية واحدة.
فعام تلو آخر نرى مواكب العزاء وموائد الطعام تزداد, إذ لا يكتفون بالقليل, بل يسعون لمزيد من العطاء, يشحذون الهمة لعامهم القادم ليمطروا بذلا, لاستقبال شهر محرم الحرام لإحياء قضية الحسين (عليه السلام).
اضافةتعليق
التعليقات