إن أهل السنة و حتى بعض من الشيعة للأسف يتهمون الشيعة بأنهم يُشركون بالله عز وجل لأنهم يتوجهون إلى أهل البيت (عليهم السلام) بطلب حوائجهم ويتوسلون بهم إلى الله لنيل مقاصدهم. ويقولون أيضاً بأننا لا نحتاج الى واسطة بيننا وبين الله لأنه أقرب إلينا من حبل الوريد.
هنا نقول بأنه لو كان مجرد الطلب من الخلق شرك، فكل الناس مشركون، لأن البشر يستعين بعضهم ببعض للحصول على أغلب حوائجهم. فالمريض يحتاج الى الطبيب ليستعين به ويتوسل إليه ليعالجه، والمظلوم يشكو من ظَلَمه إلى الحاكم، ويتوسل إليه ليأخذ له حقه. فالعاقل لا ينسبهم للشرك، لأن الله جعل الدنيا دار أسباب ومسببات. فالأسباب لايمكن إنكارها ولا يُعقَل تجاهلها لأنه تعالى هو الذي خلق الأسباب والمسببات ورتَّبَ النتائج على المقدمات، فمن تمسك بالأسباب فقد تمسك بما أمر الله عز وجل.
فنحن الشيعة نطلب حوائجنا من الله وحده، ولكن نتوسل بأهل البيت (عليهم السلام) ليشفعوا لنا عند الله في قضائها. وكمثال بسيط لتقريب المعنى، إذا كان لدينا حاجة ونريد قضائها من المَلِك أو الرئيس بنفسه، فنحن لا نستطيع أن نذهب بأنفسنا ونطلبها مباشرةً منه، لأنه في موقع أعلى لا يسمح لنا بالوصول إليه لمكانته. فنطلب من أحدٍ ذو وجاهة ومكانة عالية عند الملك ونتوسل إليه بأن يشفع لنا عند الملك ليقضيها لنا.
هذا لو كان ملكاً من سائر البشر ويتصف بصفاتهم، فكيف لو كان إله الكون ومالك الملك الذي ليس كمثله شيء وبيده كل شيء؟!
نحن غير معصومين من الذنوب وليس باللائق أن نطلب من الله عز وجل حوائجنا ونحن نعصيه مِراراً وتكراراً. إنما نحتاج الى أُناسٍ ذوي مكانة رفيعة وشأنٍ عظيم عند الله. ألا وهم أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم، فقد جعلهم الواسطة بيننا وبينه تعالى ليَتَشفَّعوا لنا عنده في تدبير أمورنا وقضاء حوائجنا، كما قال الله في محكم كتابه الكريم {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} المائدة ٣٥.
إننا نعتقد بأن الله عز وجل هو قاضي الحاجات وآل محمد (صلواته عليهم) لا يقضون الحوائج ولا يحلّون المُعضلات إلا بإذن الله تعالى، كما قال سبحانه وتعالى {بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} الأنبياء ٢٦-٢٧.
فهم واسطة الفيض الالهي والله هو الفيَّاض وهم الوسيلة التي أمرنا الله عز وجل أن نتوسل بهم إليه. والشاهد في قول سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها: (واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السموات والأرض إليه الوسيلة ونحن وسيلته في خلقه..) (نقله ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة)[1].
والتوسل هو توسيط قداسة النبي وآل بيته الأطهار (عليهم السلام) وشخصيتهم وحُرمتهم عند الله حتى يُستجاب دعاء الإنسان لأجلها. فإن الأنبياء والأولياء يمتازون عن سواهم بمميزات ذات شأن عظيم ويتمتعون بخصوصيات تُجلُّ عن التقدير، فهم يتفاوتون عن الخلائق بشتَّىٰ الفوارق. {ذلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ
وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} الحديد ٢١ .[٢]
إن التوسل بالأنبياء والأولياء ليس بملاك جسمانيتهم فإنهم وغيرهم في ذلك المجال سواسية، وإنّما يُتَوَسّل بروحانيتهم العالية وهي محفوظة في حال الحياة وبعد الممات وإلى يوم القيامة. فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته الأطهار (عليهم السلام) مدار الفضائل والكمالات، وهم يتمتعون بأروع الكرامات وكلها ترجع الى روحانيتهم ومعنويتهم القائمة والمحفوظة في جميع الحالات. فمن إتخذ الأنبياء والأولياء (صلوات الله عليهم) وسائل لقضاء حوائجهم لم يتجاوز الخط المشروع ولم يتعدَّ مقصد الرسالة النبوية وغاياتها. [٣]
فالتوسل والاستغاثة بالرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) واقع في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في حياته في عالم الدنيا وبعد موته في عالم البرزخ وبعد البعثة في عرصات القيامة. فأما شفاعته التوسل به الى الله قبل خلقه كان عندما استشفع آدم (عليه السلام) به لما اخرجه الله من الجنة وقال الله تعالى له: يا آدم لو تشفَّعتَ إلينا بمحمد في أهل السماوات والأرض لشفّعناك.[٤] وبعد نزوله الى الأرض كما في الآية الشريفة {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }. البقرة٣٧، فلماذا أرسل الله إليه كلمات مع انه أقرب إليه من حبل الوريد؟ فهذا يدل على أن الله هو الذي أمر آدم بأن يتوسل بهذه الكلمات إليه ألا وهم أهل محمد وآل محمد صلوات الله عليهم وكذلك توسل جميع الأنبياء(عليهم السلام) بأهل البيت (عليهم السلام) في مِحَنِهم.
والإستغاثة في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منها عند القحط واستسقاء المطر وما إلى ذلك من أمور كثيرة.
وكذلك بعد موته في البرزخ أكثر من أن يُحصى. والمعاجز كثيرة جداً لنبينا الأعظم وأهل بيته الأطهار (عليهم الصلاة والسلام) عند التوسل والتشفع بهم في قضاء الحوائج وشفاء المرضى.. إلخ. وهو يشفع لأمته في يوم المحشر.
يقول الله الحكيم في محكم كتابه الكريم {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّاباً رَحِيماً} النساء ٦٤.
وأيضاً في قصة إخوة يوسف مع أبيهم يعقوب في قوله تعالى {قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ} ثم كان جواب أبيهم لهم {قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} يوسف ٩٧-٩٨.
فهذا دليل لجواز التوسل قصة النبي يعقوب مع أبنائه فكما نرى أنه لم يأتِ نهي عن ذلك بآية أخرى وإذا كان في ذلك أيُّ بطلان لنهاهم أباهم أو لردهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبما انه لم يحصل، يثبت لنا جواز هذا الفعل.
وقد نقلوا عن الإمام مالك وهو إمام المذهب المالكي انه كان مع المنصور الدوانيقي في المسجد وفي حديثهم انه قال المنصور لمالك: يا أبا عبد الله (أي مالك) استقبل القبلة وأدنو أم استقبل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-؟ فقال مالك: ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام الى الله تعالى إلى يوم القيامة؟ بل إستقبله واستشفع به، فيُشَفِّعُكَ الله وإنَّ حُرمَتَه مَيتاً كحرمته حياً قال الله تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّاباً رَحِيماً}.
وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن أهل السنة والجماعة كانوا يتوسلون إلى الله ما يستشفعون برسوله إلى الله الى أن ظهر للناس محمد بن عبد الوهاب وكفَّرَ كل من يتوسل إلى الله برسوله تَبَعاً لإمامه ابن تيمية
نسأل الله القدير أن يثبتنا على القول الصادق في الحياة الدنيا.
اضافةتعليق
التعليقات