لغيابك دمع رقراق ينساب سرًا، وصيحات تطلق جهرًا، هناك من يناديك؛ يناجيك ويطلب منك عونًا وصبرًا..
في مثل هذه الايام المباركة من كل عام يحتفل الموالين بولادة منقذ البشرية الحجة المنتظر الامام الثاني عشر محمد المهدي عجل الله فرجه وسهل مخرجه، وكما هو معروف يتهيأ المؤمنين لاداء الزيارة الشعبانية المباركة وينطلق لإحيائها مجاميع غفيرة من الناس، منهم من يحتشدون ويسيرون صوب مقامه الشريف من كل مكان، ومنهم من يعدون العدة من طعام وشراب وتحضيرات جمالية يزينون بها شوارع المدينة المقدسة والبيوت والمحال والأزقة؛ وترى الجميع في حالة غبطةٍ وسرور تعم الارجاء بهذه المناسبة العظيمة..
من البديهي والجميل ان يحتفل المُحب بفرح كبير حين ذكرى ولادة حبيبه، بل هناك من يغمره فيض من السعادة، يحتفل ايضًا ولكن بحزن كبير!..
فلو كان لديك غائب عزيز على قلبك ماذا تفعل أثناء فترة غيابه؟
لا شك بأنك ستنتظر عودته وانت شديد الوفاء، تحفظ له كل جميل، وتعد له ما استطعت من كل شيء يحبه، وحين ذكراه؛ عندما تنادي عليه وهو لا يُجيبك، تحتاجه ولكنك لا تجده بجانبك، ستعتكف في كل مرة لفترات معينة تذرف فيها الدموع حزنًا على فراقه وتقلب صفحاتك معه، تستذكر بعض المواقف التي لا تنسى وتندم على اخطائك بحقه، فتعاهد نفسك على اصلاحها وعدم ارتكابها ثانيةً، ثم تدعو له الله وترجوه أن يرعاه ويحفظه من كل سوء وتتوسل اليه أن يُنهي بُعده عنك ويقر عينك برؤياه، وربما ستقطع على نفسك وعدًا ونذرًا لأجل أن تجتمع به..!
أليس هذا ما يكون عليه حال المنتظِر؟!
بالطبع نعم وربما اكثر.. و لكن ما نراه اليوم بشأن انتظار مولانا ومنقذنا "عج" قد اختلف عن المعتاد عند الكثيرين، وخرج عن المسار الصحيح، حيث صار العبث بقدسية الانتظار وتشويه صورة الموالي الراغب والطالب قرب مولاه وتعجيل ظهوره أمر واضح و منتشر، فنجد فئة كبيرة من الشباب على وجه الخصوص كونهم القسم الفعال والنشط في المجتمع؛ يحتشدون لإحياء ليلة الخامسة عشر من شهر شعبان المبارك وهم على هيئة سيئة لا تليق بمقام من إحتشدوا لأجله، ليس من منطلق ما يرتدون من ملابس غريبة ومخزية احيانًا وقصات شعر لا تليق بالذكور
ومنطق رديء و بعض شعارات مغرضة والكثير من الامور الغير مقبولة!..
وإنما يتعدى الأمر ذلك كله، حيث انهم لا يعّونَ ولا يعرفون اصلًا ما هي حقيقة الانتظار،
وبأي شأن يتداولون وخلف من يسيرون ولأجل ماذا ينتظرون؟!..
هم فقط على الاغلب يقطعون المسافات سويًا ليمرحون ويستأنسون بالطرب والغناء والرقص أيضًا مع بعضهم البعض! ويثيروا الصخب بلا تفكر، فيرتكبون الذنوب التي تغضب الله تعالى وتشتد بها قساوة الانتظار على المولى "عج" للظهور، وتوقه لتخليص الأمة من هذه الغمة، فيعتصر قلبه ارواحنا فداه ألمًا وخيبة ممن يَدّعون انتظاره عبثًا وجهلا، لتصبح ذنوبهم سدًا بينهم وبينه وتساهم في حجب ظهوره المرتقب..
إن الموالي لا يُسمى منتظِرًا إلا اذا كان يعي كيفية الانتظار بصورته الجلية، في ان يؤدي الاعمال المطلوبة بالتضرع الى الله وهو بكامل إيمانه و طهره، وعليه ان يتمتع بالخلق والسلوك الحسن في تعامله مع الآخرين وحثهم على العمل الصالح وتطبيق وصايا اهل البيت عليهم السلام ونشرها وتعليمها للسير على نهجهم، وبذلك سوف يدخل السرور في قلب غائبه القائم..
فإن المُوالي الحقيقي والمنتظِر التواق لملاقاة امام الحق ونصرته، عليه ان يوفي بعهده لمولاه، في ان يتجمل باطنه وظاهره بتقليده وحبه، ويعد له العدة اللازمة من حيث التمسك بالولاية عقائديًا ونفسيًا وسلوكيًا، في ان يرسخ ايمانه بتقديس الفكرة المهدوية والاستعداد للظهور والنصرة من خلال ترويض نفسه للكف عن ارتكاب الذنوب والمعاصي وطلب التوبة والمغفرة، والالتزام بالعمل الرسالي فيما يترتب عليه كفرد مؤمن موالي، يتوجب عليه رفع صوته بوجه الفاسد وعدم المشاركة في تنصيبه او الرضخ لحكمه..
وان يشعر بالمسؤولية تجاه اخوته المؤمنين وخصوصًا الفقراء منهم، فمن الواجب عليه تقديم الطعام والشراب والملبس للايتام والمحتاجين ما استطاع طوال العام؛ وليس فقط في شهر معين او مناسبة معينة، عليه ان يتحلى بالايثار الممتد إسوة بالأئمة الاطهار، وان يستغفر الله دومًا ويدعوه بتعجيل الفرج، لإثبات مصداقية ولائه وتحمل قساوة الانتظار..
قال تعالى: (وليبتلي الله ما في صدورِكُم وليمحص ما في قُلوبِكُم) "١٥٤ آل عمران".
فكلما عمدنا الى تقوية الرباط مع امامنا عليه السلام واهديناه شيء من اعمالنا الصالحة قربة منه وبه الى الله جل علاه واستشعرنا وجوده في كل مكان و زمان، سنفوز بولايته وننال الشفاعة بنصرته..
فأين نحن عنه، وأين هو منا فقد انقطعت بذنوبنا السبل وطفح بمعاصينا الكيل واتسعت بغفلتنا دائرة الضلال..
إشفق علينا وإمسح على قلوبنا بنظرة حانية منك يا مولاي فإننا لك من العاشقين المنتظرين البائسين اليائسين المستنجدين بك؛ في زمن يملأه الفساد وبشاعة الظلم وبطش الظالمين..
فيا زمان الظلم مـتـــى ستنتهي؟
قد ضاقت بنا الايام والسنين..
اجتمعت ذئاب الغدر اشرسها..
تمزق احشاء.. تبعثر اجزاء!!
لتترك آهاة.. ويلاة.. و حنين..
هل يا تُرى هل سنرى ذاك السلام المنتظر
أترانا مستعدين؟!..
العجل العجل العجل يا صاحب الفرج فقد هشمت قلوبنا قساوة الانتظار، وعهد علينا إنا لك لمن الناصرين..
اضافةتعليق
التعليقات