نعم، كلنا نؤمن كموحدين أن الرزاق هو الله عز وجل، ولكن هل حقًا أننا مطمئنون بحقيقة أن رزقنا بيده وحده، أم إن هناك شركاء خفيين يظهرون عندما يُختبر الواحد منا برزقه، إن زيد له فيه أو قُتر به عليه؟
وهذا سؤال جوهري لنعرف حدود فهمنا للرزق ومدى عمق علاقتنا بالرزاق؛ إمامنا المرتضى يجيب عنه بوصيته لإمامنا المجتبى (عليهما السلام) في هذه الفقرة: [واعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُه ورِزْقٌ يَطْلُبُكَ؛ فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِه أَتَاكَ؛ مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، والْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى](١).
نوعا الرزق
فقول الإمام (عليه السلام): [أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُه ورِزْقٌ يَطْلُبُكَ]، -كما يبدو- هو إما رزق أنتَ بجدِكَ واجتهادكَ وهمتكَ، ومقدمات تهيئها [لتطلبه] ممن بيده تقدير واعطاء الأرزاق، فتعطى إياه وفق المصلحة والحكمة الإلهية، وتكون عندئذ مستقبلاً وممتنًا أين كان مقدار الرزق أو نوع العطاء.
وإما إنه رزق [يَطلبك]، فهو ذاك الذي لم تطلبه وطلبت غيره، ولكنه الأفضل لك فأتاك تفضلاً منه سبحانه، أو كأن يكون ذاك الرزق الذي دعوت بشكل عام بأن تُحصله، فأتاك يطلبك بعنوانه الخاص، أو تلك الحاجة التي قضيتها لهذا، أو الكلمة الطيبة التي غرستها في قلب ذاك، أو الصدقة التي انفقتها ما طلبت في قبالها إلا وجه ربك الكريم، فتعود إليك برزق يطلبك منه جل وعلا.
ثمرة معرفة هذا التقسيم للرزق
ثم إن الإمام (عليه السلام) بقوله: [فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِه أَتَاكَ] يركز حقيقة في نفوسنا جميعٍا أننا بكل الأحوال علينا أن نطمئن أننا كلنا مرزوقون بل وأرزاقنا جارية، فلا يوجد شخص تعالى يغدق عليه بالعطاء وآخر يحرمه، حاشى فهو أكرم الأكرمين، وأوسع المعطين!.
وهذا من المفترض أن يجعل الإنسان المؤمن يشعر بأنه مكفول فيعيش سعيدًا مرتاحا، وبالنتيجة ينعكس حتى على حيويته ونشاطه في طلبه للرزق، لأنه سيكون [مطمئنا] أنه لن تخيب مساعيه، ولن يعود خالي اليدين في أي محاولة أو جهد يبديه، فلابد أن يُجازى ويُعطى عليه، وإن كان في غير الموضع الذي جَد وسعى فيه، لكنه سينال حظه ورزقه طالما إنه سعى وطلب، هذا أولاً.
وثانيًا سيكون [مستغنيا نفسيًا]، فلا يمدن عينه على أرزاق غيره، بل عينه على ما أنعم عليه تعالى وفيما رزقه من رزقه الوافي الكافي، فكم من رزق ظاهره قليل لكنه الأعظم والأجمل والأحلى لأنه رزق لا شبهة ولا حرام في كسبه، قد وفق صاحبه إليه..
أثر عدم ترسيخ حقيقة أن الرزاق هو الله تعالى
ثم قال الإمام (عليه السلام): [مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، والْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى]، فالإنسان الذي يجعل لله تعالى شركاء في طلبه لرزقه؛ الإمام (عليه السلام) يعبر عن هذا الفعل بأنه فعل يجعل الإنسان [قبيحا]، لأنه سيخضع لإنسان مثله، ظنا منه أن هذا الخضوع سيبلغه نوال حاجته! بينما تعالى [جَمَلهُ] وأعزه بأن جعل رزقه بيده وحده، وما الخلق إلا وسائط مُسَخَرة لبعضها البعض بإذنه تعالى.
والأقبح من ذلك هو سوء تعامله مع الخلق متى ما بلغ حاجته واستغنى عنهم، واستهانته بمن لا يَرتجي منهم معونة أو يرى فيهم قدرة لتلبية حاجة من حاجياته، مع إن الصنفان هما مثله خلق ضعيف لا حول ولا قوة له ألا بالله تعالى.
لذا قد يُحرم الإنسان من أرزاق كثيرة مادية ومعنوية على أثر هذه النظرة - سواء الخضوع لمن مكنه تعالى، أو الإستعلاء لمن لا مكنة له- بينما المطلوب هو توجيه بوصلة القلب للرزاق ليكون صاحبه من أهل الخضوع للرازق وحده، ومن أهل التواضع والإحترام لجميع الخَلق، ليتذوق أرزاق الله تعالى، ويراها بقلبه قبل عينيه، ويستشعر بنزولها بوجدانه قبل أن يلمسها بكلتا يديه.
____
اضافةتعليق
التعليقات