إن السرعة هي الصفة الأبرز التي تتسم بها الحياة في هذا الزمان، مما جعلت الإنسان لا يتأقلم مع ذلك في نشاطاته الحياتية فقط، بل حتى على مستوى طلباته ودعواته من الله تعالى، فهو يريد نيل حاجاته، واستجابة دعواته تكون سريعة أيضا، وهذا ليس بالشيء المذموم إن كان وفق حسن ظن الطالب بمولاه، وطمعه بكرمه، ومعرفته بوسع رحمته، وجوده في العطاء.
وكما إن بناء هذا العالم في كل شيء هو قائم على قانون السببية وتقديم المقدمات ليبلغ الإنسان مراده، دستورنا الإلهي لم يخلو من ذكر هذه المقدمات، كما في قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ○فَاسْتَجَبْنَا لَهُ...○وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ○ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ...○وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ○ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء:٨٣-٩٠).
هنا هذه الآية تتحدث عن ثلاث مقدمات قدمها مجموعة من الأنبياء، الذين هم سادة الخلق، وأعلى القدوات الواجب اقتفاء أثرهم فحققوا سرعة الاستجابة وهي:
المقدمة الأولى: المُسارعة في الخيرات، في قوله {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي إنهم كانوا لا يتباطؤون في قضاء حاجة أحد من الخلق، فضلًا عن ردهم دون إعطائهم سؤلهم، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): [إن الله يحب من الخير ما يعجل](١)، وعن صادق الآل (عليه السلام): كان أبي يقول: [إذا هممت بخير فبادر، فإنك لا تدري ما يحدث](1)، كما حذر الإمام الباقر(عليه السلام) بقوله: [من هَم بشيء من الخير فليُعجله، فإن كل شيء فيه تأخير؛ فإن للشيطان فيه نظرة](1)، فقد لا يوفق لقضاء تلك الحاجة؛ إذ بالمسارعة اغتنام لفرصة التقرب من الله تعالى، وفيها قطع لحبائل ووساوس الشيطان المثبطة، بالنتيجة في المسارعة بركات كثيرة، وعطايا من الله تعالى جزيلة، ومقدمة لسرعة الاستجابة.
المقدمة الثانية: الدعاء المتوازن بين الرهبة والرغبة، في قوله: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}، أي يدعو الطالب وهو متيقن أن حاجته على الباب قبل أن يطرقه، يدعو وهو واثق أن خزائن الله تعالى ممتلئة لا تنقص بعطاء، فلا يكون لسان حالك (إلهي فقط هذه الحاجة!). وكذلك أن يستشعر الداعي إن الله تعالى متفضل عليه بإعطائه واستجابته لدعائه، فلا هو عن استحقاق هو يطلب، ولا على أثر عملا صالحًا هو راغب؛ بل عليه أن لا يُخرج نفسه من حد التقصير أثناء الطلب، ولسان حاله ومقاله (جئت إليك بفقري وفاقتي وقلة حيائي، وعدم استحقاقي).
المقدمة الثالثة: الخشوع، كما في قوله: {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، أي أن جوارحهم وقائدها القلب منصرف ومتوجه إلى الرب المتعال وحده، في حالة تذلل وخضوع، فعن أمير الكلام (عليه السلام): [نعم عون الدعاء الخشوع](٢)، فهو يدعو على اعتقاد تام أن جواب سؤاله عند الله تعالى فقط وفقط، فلا يمدن عينيه لخلقه، ولا يميل بقلبه لأحد سواه، ولا ينتظرن منهم نفعاً أو يخاف منهم منعاً، ولا يرجو منهم دفعاً بل يجعل عينه لمن بيده أصل كل قبض وعطاء.
___________
اضافةتعليق
التعليقات