الآن.. اليوم.. في عصرنا الحالي.. معظمنا يشكو من أمرٍ واحد..
الكل يقول لا توجد بركة..! لا توجد البركة في يومنا.. في أوقاتنا.. في مالنا.. وحتى في علمنا.. وهلم جرا.. كل الناس يشتكون نفس الشكوى، الكل يشكو من نظام واحد، ويشكو من فقدان شيء اسمه “البركة“.
ماهي البركة؟
الدنيا لها نظامين : نظام مادي (المادة)، ونظام معنوي (الغيبيّات). ونظام “البركة” هي من “نظام الغيبيّات”، البركة سرٌ وعطاء إلهي غيبي يمنحه الله تعالى للشخص أو المكان أو الزمان، وهي النبع الرئيسي لزيادة المادة ودوامها، أي بمعنى كثرة الخير ودوامه.
لذا لله تعالى نوعان من الخزائن: خزائن “مادة” يعطي فيها من يشاء، وخزائن “البركات”، لا يفتحها إلّا “لمن طرقها”.
مثلاً أنا أعمل لأجني المال، لكن هل بمقداري أيضاً أن أجني ما يسمى “البركة”؟، نظام البركة الغيبي كيف آتي به؟ وهل هناك أمور تنفي البركة؟
من الأمور التي تمحق وتنفي البركة:
١- الحلف، وللأسف الكثير من الناس مبتلون به، حتى وإن كان صادقاً فهو ليس بأمر محمود وينفي البركة من الشيء الذي تم الحلف عليه. عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): “إياكم والحلف فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة”. 1
٢- الإسراف والتبذير، عن الإمام الصادق (عليه السلام): ”إنّ مع الإسراف قلّة البركة”. 2
٣- المعاصي والذنوب، معصية إله الكون الذي خلقنا وسوّانا! هي من أقوى الأسباب الجالبة للبلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء وزوال النعم وتحول العافية وفجاءة النقم, قال تعالى: “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ“. 3
وقال الإمام الباقر(عليه السلام): ”إنّ الله قضى قضاء حتماً ألا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة“. 4
من الأمور التي تجلب البركة:
١- قراءة القرآن والإكثار من الدعاء، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): “البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضئ لأهل السماء كما تضئ الكواكب لأهل الارض“. 5
٢- كثرة الشكر، وهي واضحة من قوله تعالى: “لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ..”. 6
٣- مخافة وتقوى الله تعالى في كلّ الأمور، فالتقوى يجب أن تكون في قلب كلّ شخص، حيث قال الإمام الرضا (عليه السلام): “أوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء: إذا أطعتَ رضيتُ وإذا رضيتُ باركتُ وليس لبركتي نهاية“. 7
وقال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ). 8
وقال تعالى: “ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ“. 9
نعم، هما أمرين (آمنوا و اتقوا) والحل: (لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض).
أي أبارك في أرزاقهم وأمدّهم بمدد يلمسونه ويشعرون من خلاله بالإنشراح والسّرور.
٤- الإستغفار الدائم والتّوبة إلى الله، حيث إنّ الاستغفار يزيل الهموم، ويجلب البركات في الأرزاق، وأمرنا الله بكثرة الإستغفار، لما له من دور في جلب الحياة الكريمة والبركة فيها، لقوله تعالى: “اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا“. 10
٥- البساطة، كلّما أردت أن تكون أمورك من أرقاها وأفخمها ولا يعلو عليها، سترى أنّ البركة تزول منها، وبالعكس كلما كانت مناسبة ترى البركة قد حلت بها وتربعت على عرشها، أي كلما كانت الأمور أبسط انتشرت البركة فيها وحلت عليها بشكل عجيب ومحير للشخص نفسه.
٦- التضحية، من أبواب نظام البركة والعطاء الغيبي المهمة هي “التضحية لله عزّوجلّ”.
مانعني بالتضحية لله؟
التضحية لله، مثلاً إذا تريد أن أن تكون لك البركة في المال، ضحي بمالك لله، وهو أن تتصدق كل يوم بمبلغ حسب استطاعتك ولو زهيد لدفع البلاء عن المولى صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) “لأن الإمام روحي له الفداء حق من حقوق الله تعالى بل ومن أهمّ الحقوق”، فهذا الأمر مجلب للبركة والزيادة في مالك. قد تقول أنا مديون وليس لدي المال، تصدق بما معك! إذا تصدقت بما معك وضحيت بالقليل، أعطاك الله الكثير.. قال الإمام الصادق (عليه السلام):
“الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة“. 11
قال علي (عليه السلام) لإبنه محمّد: “ يا بني كم فضل معك من تلك النفقة؟ قال: أربعون ديناراً، قال: أخرج فتصدّق بها، قال: إنّه لم يبق معي غيرها، قال: تصدّق بها فإنّ الله عزّ وجلّ يخلفها، أما علمت أنّ لكلّ شيء مفتاحاً ومفتاح الرزق الصدقة، فتصدّق بها، قال: ففعلت“. 12
هذا بالنسبة للمال، أما بالنسبة للوقت؛ إذا شعرت بأن ساعاتك تركض مسرعة وليس لديك الوقت الكافي لإنجاز كل أعمالك، هل جلست واستغفرت وذكرت الله؟ حتى وإن كان وقتك ضيّق..! هل ضحيت بجزء من وقتك لله؟ فحينئذٍ سترى البركة في وقتك وتتغير منك الأحوال إلى أحسن حال.
نعم، يغير الله عزّ وجلّ لك نظام الكون فترى البركة في جميع أمورك، والسبب أنك ضحيت من وقتك لتذكره سبحانه وتستغفره . فنظام“التضحية” يشمل أن “تضحي لله” عزّ وجلّ ليس فقط في وقتك ومالك بل في كلّ أمورك.
تسبيحة الزهراء (عليها السلام) من أنواع البركة:
عندما أتت مولاتنا فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) لتشكو لأباها(صلى الله عليه وآله) ما تلاقیه من العناء الشديد في خدمة البیت من الطحن والكنس.. كما قال الإمام علي (عليه السلام): إنها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها.
فما كان هو حل النبي (صلى الله عليه وآله)؟ النبي أعطاها شيء أقوى من الخدم، قال (صلى الله عليه وآله): “يا فاطمة، أُعطيك ما هو خير لك من خادم، ومن الدنيا بما فيها: تكبرين اللَّه بعد كل صلاة أربعاً وثلاثين تكبيرة، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، وتسبحين اللَّه ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، ثم تختمين ذلك ب(لا إله إلا اللَّه)، وذلك خير لك من الذي أردتِ ومن الدنيا وما فيها”. 13
فلزمت (صلوات اللَّه عليها) هذا التسبيح بعد كل صلاة، ونُسب إليها وسمي بتسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام).
لقد أعطاها النبي (صلى الله عليه وآله) “أمر غيبي” لتضع يديها في خزائن غيبيات الله عزّ وجلّ، فمدّها الله تعالى قوةً فوق قوة.
فإذا شعرت بالضّعف وقلّة الحيلة وأردت المدد من الله تعالى سبح تسبيحة الزهراء(عليها السلام) بعد كلّ صلاتك وقبل منامك.
فقد ترى الكثير ممن لديهم الأموال الطائلة والقصور المشيّدة ولكن لا ينامون إلّا وقد تناولوا أنواع مضادات الإكتئاب والحبوب المنومة التي تؤدي بهم الى النوم، والسبب؟ نعم لا توجد بركة..
فهم لم يطرقوا باب الله عزّ وجلّ الغيبي، لم يطرقوا خزائن الله عزّ وجلّ الغيبية بالوسائل، فالمادة وحدها لا تجلب السعادة إلّا إذا حلت مع قرينتها “البركة”.
إنّ البركة أيضاً قد تكون بأن يكون لك جار صالح، أن يكون لك ذرية طيبة هذه بركة، أن يكون لك زوج/زوجة صالحة ويكون هنالك تآلف بينهما هذه بركة، أن يكون لديك الستر في داخل بيتك هذه بركة، أن يكون لك سمعة طيبة بين الناس هذه بركة، أن تُوفّق لخدمة الناس هذه بركة، أن تستمتع في صلاتك ودعائك هذه بركة. “البركة” باختصار هي شعورك بلذّة الحياة وطعمها وهو كنز لا نفاد له.
اضافةتعليق
التعليقات