هاهو بساط 2017 يُسحب من تحت أقدامنا، وعلى ناصية ديسمبر يجد البعض نفسه أمام شريطٍ أحمرٍ ومنمّق ليفتتح به بوابة يناير الجديدة، ويتأهب ليقف على بساط فاخرٍ مذهبّ وممتد كبساط الملوك والامراء ليفضي الى قصر السعادة والنجاح، وعند البعض الاخر يتركه يسقط خارَاً على وجهه ليقف مجدداً ويجد نفسه أمام حصيرة زهيدة ولسان حال صاحبه يتمتم بالمثل الشعبي بأسى: امدد بساطك على مقاس رجليك! دلالة على ضرورة التواضع في المسير أمام بساط الامكانيات المحدودة ومقابل طريق شائك وغير مُعبَّد..
حسناً، من حدّدَ هذه التوقعات المذكورة في الاعلى ولمّا ندخل بعد السنة الجديدة؟!
هي مجموعة أرقام ومعادلات قام بها المنجمّون مستنفرين كل قواهم ومواهبهم الخارقة في هذا المجال ليقرروا بحماس حظوظ الخَلق في السنة القادمة بعد أن طُويت سنة بأفراحها وأتراحها..
قبل كل شيء، لابد أن نقول أنّ علم الابراج قد يحمل بعض الصحة في بعض صفات النجوم وبعض التحذيرات في دخول القمر الى بعض الابراج في السماء، فنحن نقف مذعنين وإجلالاً أمام (العلم) بكافة أصنافه ومنها علم الفلك، بل ونرفع له القبعة دائماً وأبداً..
إلا اننا نؤاخذ اولئك الذين يتخذون الابراج كشرعنة للكثير من الخطوات والتصرفات والقرارات التي يتخذونها ويسلكونها ويتبنوها وفقاً لما يمليه نجمه وطالعه..
وقد يتساءل البعض، وهل هناك من يؤمن بهذه النجوم في تحديد مصيره؟!
بلى كذلك، وزيادة، فهناك من يهرول بعد كل حدث وقبل كل قرار ويلجأ الى بعض الصفحات الورقية واخرى الكترونية والاخيرة تناسب التنبؤات اليومية، فقد يكون الحدث فرصة عمل أو تذكرة طائرة أو عريس لقطة يقف على الباب بانتظار الجواب!.
وعليه، يذهب مسرعاً كطفل ويرفع إبهامه بأدب مُطرقا رأسه بخجل ليسأل نجمه طالباً النصيحة، بل ويستشير طالعه وقمره ومريخه وزهرته ووو.. ولاغلو فمن يقرأ في هذا العلم يكتشف أن كل انسان لديه مجموعة كواكب ومجموعة أبراج وليس واحداً _كما كنا نعتقد سابقاً_ وكل منها يختص بعمل، مال، عاطفة، العلاقات، طريقة التفكير...
قد لايرى البعض جدوى من هذا الحديث، ويستاءل بالضير من قراءة هذا العلم ومعرفة تنبؤاته ليساعدنا قليلاً في اتخاذ القرارات واختيار الافضل فينقذنا من تخبطاتنا وحيرتنا...
وهنا نقول، لعلّ الاعتقاد العميق والاهتمام الزائد والتصديق المبالغ به في هذا المجال قد يُفضي الى بعض الاشكالات العقائدية والنفسية واخرى...
نحن في الحقيقة أمام موازنة دقيقة وجوهرية، وهي مسألة العدل الالهي، وقضية الجبر والاختيار والتي وقع في مطباتها وعلى مرّ التاريخ الكثير من الناس، وهناك أديان وطوائف تفرعّت من وراء سؤال واحد ألا وهو: هل الانسان مُخيّر أم مُسيّر؟!
وجوهر مذهبنا واعتقادات ائمتنا كانت: أمر بين أمرين. وشرحها يطول وقد أُشبعت بحثا من قبل أهل العلم والمعرفة.
هذه واحدة، وأخرى (نزعة التبرير) التي ذكرها فرويد في علم النفس التحليلي، والتي قد تتشكّل لدى السالك في طريق الابراج وتوغّل عمقاً فيه.
عذراً أيها المنجمّون، أياً تكن توقعاتكم للسنة الجديدة، لنجلس قليلاً ونتأمّل سماءاً مليئة بآيات الجمال، لنرنو اليها بوجل ونسألها عن ماتحمله في جعبتها لتبتسم إلينا بلطف وتقول:
*لاتوقعات جاهزة ومكتوبة على متن كواكبنا سوى تلك المقدرّة عند علاّم الغيوب وتلك التي تصنعها انت.. والسنة ليست 365 يوم فهي بحساب اخر يومين لاغير، فالامام علي (ع) يقول: "الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، فإن كان لك فلاتبطر، وإن كان عليك فلا تضجر". وإليكَ كذلك نصيحة اخرى للامام (ع): (كل متوقع آت). فانظر ماذا تختار.
*لاصدف عبثية في كل حدث بحياتك، من لطف الباري ان تلتقي بأشخاص وان تعبر طريق دون اخر، فلاتنظروا الى الاسباب بل الى مسبب الاسباب.
* لاأرقام تصنع نجمك، فكل إنسان يحمل بداخله مجموعة صفات وخصائص يأتي بعضها من الاسرة، البيئة، المدرسة، الصديق... وفي داخلك متناقضات (التراب والماء والهواء والنار)، باستطاعتك ان تجمعها كلها، تقبّل طبيعتك ولاترضى بالنقص، زكهّا وغيّرها نحو الاحسن فالحياة رحلة تكامل.
* لاثوابت في مسيرة عمرك، مايحدث لك قد يكون، توفيق، رزق، ابتلاء، امتحان، عقاب.. وليس أرقام خالية من الروح. وجالس نجمة مضيئة لتمنحك بعضا من ضوءها، والعظماء والناجحون على طول التاريخ ينتمون الى أبراج مختلفة، وكذلك الفاشلون!.
*لا حظوظ سيئة لمن يتسلّح بالدعاء وبمن يتصدّق ويصل رحمه ولاعجب فتلك تغيّر الاقدار وترد القضاء حسب ماورد عن الاحاديث الشريفة، ولاجسور مقطوعة ولاسفن محروقة، أنتَ مُحمّل بالحظ فعلاً، مادمتَ على سفينة الايمان وأشرعة الامل تنتصب بحسن الظن بالله، وتحمل بيديك مجاديف العمل الجاد وتمضي متوكلاً على الله الذي هو شاطئك الاخير.
وأخيراً أيها الانسان، كن على ثقة وأمل بأنّ سحب يناير محملة بغيث الرحمة لتمطر أرض احلامك وتزهر أمانيك، ولاتنسى أنكَ لست مجرد نجمة خافتة، "أتحسبُ أنك جرمُ صغير.. وفيك انطوى العالم الاكبر"!.
اضافةتعليق
التعليقات
عراق2017-12-26