تتحدث الأشجار لغةً متطورة لا نفهمها، ولكن باعتبارها كائناً حياً، يبذل العلماء العديد من الجهود لدراستها ومعرفة سلوكياتها أكثر وأكثر.
ومؤخراً حدثت اكتشافات مدهشة، تُثبت أن النبات يشعر ويتذوق ويرى ويسمع، ولعلك تتفاجأ أن الشجر أيضاً يستغيث طالباً العون، ويظهر هذا في رائحة العشب الندية التي نشمها بعد جزِّه، التي تمثل نداء استغاثة لكائنات أخرى كي تنقذه من القطع.
ولكننا سنتناول في هذا المقال ظاهرة جديدة مدهشة، ستعرف من خلالها أن الأشجار لديها "حياء"، وترعى حقوق الجيرة، إذ لا تمدُّ أغصانها في وجه أصدقائها، فيما يُعرف بظاهرة "تاج الحياء" وهي ظاهرة يندر حدوثها، وفيها تتجنب أنواع معينة من الأشجار المرتفعة أن تتلامس، وتلتزم بحد معين من النمو. بمعنى آخر، فإن الفروع العليا لبعض أنواع الأشجار لا ترغب في لمس بعضها البعض، ولذلك إذا نظرت لقمم الأشجار العالية في الغابات فستشعر بانسجام وتوافق بين الأشجار، وستجدها تكوِّن مظلة فيما بينها، دون حدوث أية تجاوزات في حق بعضها، أو تنافس أو نزاع بين الأشجار من أجل البقاء.
متى تم تمييز هذه الظاهرة؟
لاحظ العلماء هذه الظاهرة للمرة الأولى سنة 1920م، دون أن يجدوا سبباً واضحاً ومباشراً لها، وبمرور الوقت وفهم طبيعة النباتات، مع اجتهاد واضح من العلماء في دراسة طبيعة النبات، ظهر أكثر من تفسير للأمر.
ومن أشهر علماء النبات الذين اهتموا بهذه الظاهرة Francis Hallé وRoelof Oldeman.
ما الطريقة التي تُدرك بها الأشجار حدود النمو في محيطها؟
شرح فوليبن في كتابه (The Hidden Life of Trees)، أنه كما أن البشر يعترفون أن هناك اختلافاً في الطبقات بينهم، فإن الأشجار تتعامل فيما بينها على نحو تمييزي، ولكن ليس بنظام "الطبقات"، وإنما وفقاً لدرجة الصلة، أو ربما العاطفة التي تحدد مدى تعاون الأشجار معاً.
فالشجرة المتوسطة تلامس أغصانها أطراف أغصان الشجرة المجاورة التي تساويها في الطول، ولا تتشعب أكثر من ذلك، لأنها لن تجد هواء وضوءا بشكل مناسب، ولذلك فهي تكتفي بتعزيز أغصانها القائمة، وكأنها تزاحم الشجرة الأخرى.
أما في حالة كونهما صديقتين فستحرص كل منهما ألا تمدّ أغصاناً في مواجهة الأخرى، لأن كل منهما تحرص على عدم حرمان الأخرى من أي شيء.
أسباب تشكُّل ظاهرة "خجل التاج"
تتبادل الأشجار الإشارات الكيميائية، أو المركبات العضوية المتطايرة (VOCs)، أي أن هناك تواصلاً اجتماعياً ما بين الأشجار.
عند هبوب رياح قوية تصطدم الأشجار ببعضها، ولذلك يفترض بعض العلماء أن المسافات بين الأشجار تمنع حدوث أي تضرر عند هبوب الرياح القوية. ولذلك تتوقف التيجان عن النمو، في محاولة من الأشجار لحماية فروع بعضها البعض من التصدع والكسر.
وعندما قام باحثون بمنع الأشجار من الاصطدام ببعضها أثناء هبوب الرياح، لاحظوا نمو التيجان وتلامسها.
أحد الباحثين الماليزيين قدَّم فرضيةً أخرى تسمى فرضية التنافس، وأشار إلى أن ذلك يحدث بحيث تتمكن الأشجار من أن تحسن فرصة تعرضها للضوء، من أجل تحسين عملية التمثيل الضوئي.
ويعتقد البعض أن الأشجار لا تقترب من بعضها لمنع انتشار الحشرات آكلة الأوراق واليرقات.
اضافةتعليق
التعليقات