تنتج البكتيريا مادة أو إنزيماً معيناً يقضي على المضاد الحيوي فيفقد عمله، على سبيل المثال، بعض أنواع البكتيريا تنتج إنزيمات تسمى بيتا لاكتاميز، التي بدورها تقضي على البنسلين. مهما تقدَّم البشر، يظل هناك عدو قادر على أن يتطور أسرع منهم. إنها كائنات ضئيلة الحجم بسيطة التكوين، ولكنها قادرة على تطوير نفسها أسرع من العلم الذي أصبح يساعدها عبر سوء استخدامه، إنها الجراثيم. تسبَّبت الكوارث الطبيعية في العالم في موت المئات، وربما الآلاف، كلما حدثت وتسبَّبت في فناء كائنات أضخم وأقوى كثيراً من البشر، إذ يعتقد العلماء أن سبب انقراض الديناصورات قبل ملايين السنين كان نيزكاً قوياً ضرب الأرض، وأفنى الحياة عليها إلا من القليل. وأحياناً كان الموت يأتي بيد البشر أنفسهم، فقد أباد المغول على سبيل المثال نحو 5% من عدد سكان الأرض خلال غزواتهم، لكن ظلَّ الخطر الأكبر من الحروب ليس في عدد ضحاياها المباشرين، ولكن الأوبئة التي تنشرها، ومن أسوئها الطاعون أو الموت الأسود، أو كما يُطلِق عليه البعض، والذي يعتبر واحداً من أسوأ الأوبئة في تاريخ البشر المسجل.
فئران وبراغيث وقنابل بشرية
ظهر وباء الطاعون الأسود في مكان ما في آسيا في القرن الرابع عشر، ووصل إلى أوروبا من محطة التجارة في جنوة في كافا، في شبه جزيرة القرم (في البحر الأسود). وتقول إحدى الروايات إن المغول كانوا يحاصرون كافا، عندما اندلع مرض بين قواتهم، وأجبرهم على التخلي عن الحصار. وقام قائد المغول بتحميل عدد قليل من ضحايا الطاعون على مقذوفاته وقذفهم إلى المدينة. وغادر بعض التجار كافا إلى القسطنطينية حالما غادر المغول، وحملوا الطاعون معهم. انتشر من القسطنطينية على طول طرق التجارة، مما تسبَّب في وفيات هائلة على طول الطريق. ويقال إن الطاعون الأسود تسبَّب في موت ما لا يقل عن ثلث سكان أوروبا في منتصف القرن الرابع عشر، وتصل بعض التقديرات إلى 50% من سكان القارة. وفي بعض الأماكن، مثل قرية في مقاطعة في كامبريدجشاير الإنكليزية، تدعى مارونيال رولان، مات 70% من السكان في غضون أشهر في عام 1349. ويقدر إجمالي عدد ضحاياه بنحو 75 مليون شخص. وكان الوباء ينتشر بسرعة ميل في اليوم، ولكنه تفشَّى أحياناً بسرعة 8 أميال في اليوم. وكان السببَ في هذا الوباء نوعٌ من البكتيريا، يعرف باسم البكتيريا اليرسينية الطاعونية، تنتشر عن طريق البراغيث عبر الجرذان.
حتى الملك أصيب بهذا الوباء
وقبل قرن من الزمان وتحديداً عام 1918، جاء أكثر الأوبئة وأعنفها انتشاراً في العصر الحديث، حتى إنه أُطلِق عليه أعظم هولوكوست في تاريخ الطب، وهي الإنفلونزا الإسبانية، حيث تُقدر الأرواح التي أزهقها هذا الفيروس بحوالي 50 مليون شخص، بينما بعض التقديرات تقول إن عدد الضحايا يزيد عن هذا الرقم بكثير، وإن عدد المصابين بهذا المرض تخطَّى 100 مليون نسمة. وقد بلغ عدد قتلي الجيش الأميركي من هذا الوباء أكثر ممن فقدهم الجيش في الحرب العالمية الأولى، التي انتهت في نفس عام انتشار الوباء. وقد سُمي بالإنفلونزا الإسبانية، لأنه ضرب إسبانيا بشدة، حتى إن ملك البلاد ذاته أصيب به. ولكن هل يمكن أن تتكرر مثل هذه الأوبئة مع كل هذا التقدم الذي حققه البشر. نعم بسبب سوء استخدام هذا التقدم فقد نشهد في المستقبل ما هو أسوأ!.. لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ لكن دعنا أولاً نصطحبك في رحلة من الأرقام الغريبة، تكشف لك أمراً صادماً عن عالم الفيروسات.
الفيروسات.. أكثر من مليون بكثير في حيوان واحد فقط
أكثر من مليون نوع من الفيروسات، قد تكون موجودة في عالمنا، هكذا توقع قبل 20 عاماً، ستيف موريس العالم المُتخصص في علم الفيروسات. ولتقدير حجم التنوع الفيروسي قام بعض الباحثين بجمع 1897 عينة للاختبار من أحد أنواع الخفافيش، يدعى الثعلب الطائر، اعتماداً على أنه من أكثر الحيوانات الحاضنة للفيروسات. وفي نهاية هذه الاختبارات تم الخروج بنتيجة مرعبة، أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون نوع من الفيروسات، وذلك الرقم يتعدى تقديرات دكتور موريس بثلاثة أضعاف، وهذا لا يتضمَّن البكتريا والفيروسات النباتية والكائنات أحادية الخلية.
البكتريا: ربما تكون بالملايين
أما عن البكتريا، فقدر عالمان أن الأرض موطن لما بين 10 آلاف و100 ألف نوع من البكتيريا، وآخرون قالوا ما بين 100 ألف ومليون؛ بينما وضع تسعة من علماء الأحياء المجهرية الحد الأعلى في عشرة ملايين نوع، وقال ثمانية آخرون إن هناك المزيد والمزيد من البكتريا. ومن العجيب في البكتريا، أنه تم اكتشاف نوع منها، التي تستطيع الحياة في أقصى درجات الحرارة من حيث البرودة والسخونة. أما إذا كنت تريد معرفة كم عدد البكتريا في عالمنا، وليس عدد أنواعها ففط، الرقم سيكون أكثر رعباً، بل يصعب استيعابه. فلك أن تتخيل أن عدد البكتيريا في جسم الإنسان يعادل تقريباً عدد الخلايا البشرية. هذا بخلاف أعداد الجراثيم وكل الكائنات الدقيقة، التي يمكن أن تُعتبر من الطُفيليات. البكتريا والفيروسات وغيرها من الجراثيم كائنات حية ليست أمراضاً، هدفها الأول كجميع الكائنات الحية هو البقاء والاستمرارية. هناك أنواع تسعى للحياة عن طريق الفائدة المتبادلة، وهناك أنواع أخرى أقل ما يمكن أن توصف به أنها كالوحوش. تعيش في كل مكان مناسب للحياة لنوعها، فهي على يديك، بين جفونك، بداخل فمك، وأمعائك. منها المفيد ومنها الضار ربما تُصاب ببعضها ولا تشعر به بسبب ضعفه أو بسبب قصر حياته وقلة تأثيره، وهناك الآخر لا يترك الجسد إلا بخروج الروح.
للأسف نمنحها الحياة وقد نجعلها أكثر شراسة
في كل مرة يمرض بها أحد أفراد عائلتك، وتقوم بإعطائه إحدى حبوب المضاد الحيوي بدلاً من استشارة الطبيب، فإنك ربما لا تقوم بمساعدته على الشفاء، وإنما تعطي البكتيريا المسببة للمرض الأفضلية للقضاء على أحبتك. لذلك دعنا نخبرك كيف تعمل البكتيريا المسببة للأمراض على مقاومة المضادات الحيوية.
تنتج البكتيريا هذه الأسلحة للتغلب على المضادات الحيوية
هناك العديد من الأساليب التي تُمكن البكتيريا من مقاومة المضادات الحيوية، مثل:
تتمكن البكتيريا من منع المضادات الحيوية من الوصول إلى داخل الخلية البكتيرية عن طريق تغيير نفاذية غشاء الخلية (الغشاء المحيط بالخلية)، أو عن طريق تقليل عدد القنوات الموجودة على الغشاء الخلوي التي تسمح للمضادات الحيوية بالدخول من خلالها.
تغيير الهدف الذي يعمل عليه المضاد الحيوي؛ إذ تعمل العديد من المضادات الحيوية على هدف معين، فتستجيب بعض البكتيريا عن طريق تغيير بنية الهدف أو استبداله، بحيث لا يمكن للمضادات الحيوية أن تتعرف عليه، بالتالي تفقد عملها.
تدمير المضادات الحيوية؛ بحيث تنتج البكتيريا مادة أو إنزيماً معيناً يقضي على المضاد الحيوي فيفقد عمله، على سبيل المثال، بعض أنواع البكتيريا تنتج إنزيمات تسمى بيتا لاكتاميز، التي بدورها تقضي على البنسلين.
استخدام الطاقة لإخراج المضادات الحيوية من الخلية البكتيرية بعد دخولها.
والإنسان يسهم في إبطال مفعول المضادات الحيوية
يقوم البشر بالعديد من التصرفات الخاطئة من خلال استخدام المضادات الحيوية في علاج أي من الأمراض التي تُصاب بها؛ حيث إنك تقوم بتناول علاج غير مناسب تماماً قد يتسبّب في نتائج عكسية. وفي حالة إيقاف العلاج بمجرد أن تشعر ببعض التحسن، فأنت تعطي البكتريا الأفضلية لتَتأقلم وتُكون القوة أو الآلية اللازمة للمواجهة ضد المضاد الحيوي. ونتيجة لهذه الأسباب فقد اعتبرت الكثير من المجتمعات العلمية الطبية شراء المضادات الحيوية بدون وصفة الطبيب من أخطر الأمور على الصحة للبشر جميعاً، لأن كل مضاد حيوي يعمل على مكافحة أمراض معينة، وليست كل الأمراض. كما أن هذه التصرفات الخاطئة قد تزيد من خطورة البكتيريا في المستقبل، حيث لن تتوافر المضادات الحيوية المناسبة لمواجهة الأمراض. وبالفعل ازدادت في الآونة الأخيرة شدة الحالات المرضية، والتي كان سببها كثرة تناول المضادات الحيوية، مما أنتج بكتيريا مقاومة لكل الأنواع المعروفة من المضادات الحيوية، مما أوْدى بحياة الكثيرين.
وسوء استخدام المضاد الحيوي قد يتسبب في مأساة للإنسانية
سوء استخدامك للمضادات الحيوية قد يؤدي في يوم ما إلى تطوير بكتيريا يمكنها مقاومة كل أنواع المضادات الحيوية المعروفة، التي من الممكن أن يكون من السهل انتقالها بين البشر، مما يُهدد حياة البشر على كوكب الأرض، وذلك ببساطة بسبب سوء استخدامك لهذه الأدوية. كما أن إهمالك في عدم الذهاب للطبيب، والاستهانة بالأدوية وتناول أي منها في محاولة منك للعلاج قد يكون فتاكاً، ليس في حقك فقط، أو حق ابنائك، وإنما في حق البشرية جمعاء. يقاتل العلماء سنوياً في محاولات منهم لفهم البكتريا، وتقليل المخاطر من انتشار أنواع من البكتيريا المقاومة لجميع المضادات الحيوية، فمن فضلك لا تُهدِر مجهودات هؤلاء الأطباء، بسوء استخدامك للأدوية والاستهانة بالأمراض. حسب عربي بوست.
اضافةتعليق
التعليقات