قد يحدث أن يقرب الله انساناً غريباً إلى قلبك حيث يبدأ بمسح غبار الهم عن قلبك المهموم ويحدث أن تشعر بطمأنينة تجاه شخص ليس من لحمك ودمك ولكن يسكن في روحك وجوارك، لذلك كان العرب يتفاخرون بحسن الجوار حتى قبل الإسلام ويدعو الله عزوجل عباده إلى الإهتمام بالجار في كتابه حيث يقول (اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ)..
وكان من أدعية الإمام السجاد (عليه السلام) لجيرانه وأوليائه إذا ذكرهم :
أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ وَتَـوَلَّنِي فِي جيرَانِي وَمَوَالِيَّ وَالْعَارِفِينَ بحَقِّنَا وَالْمُنَابِذِينَ لأِعْدَائِنَا بِأَفْضَلِ وَلاَيَتِكَ، وَوَفِّقْهُمْ لإقَامَةِ سُنَّتِكَ وَالأَخْذِ بِمَحَاسِنِ أَدَبِكَ فِي إرْفَاقِ ضَعِيفِهِمْ، وَسَدِّ خَلَّتِهِمْ، وَعِيَادَةِ مَرِيضِهِمْ، وَهِدَايَةِ مُسْتَرْشِدِهِمْ، وَمُنَاصَحَةِ مُسْتَشِيرِهِمْ، وَتَعَهُّدِ قَادِمِهِمْ، وَكِتْمَانِ أَسْرَارِهِمْ، وَسَتْرِ عَوْرَاتِهِمْ، وَنُصْرَةِ مَظْلُومِهِمْ، وَحُسْنِ مُوَاسَاتِهِمْ بِالْمَاعُونِ، وَالْعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِـالْجِـدَةِ وَالإِفْضَـالِ، وَإعْطَآءِ مَـا يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ.
حيث يأتي حق الجار بعد حقوق الوالدين والأولاد المترتبة على الولاء والحب فأحدهما جوار جسمي إلى أربعين داراً والآخر جوار روحي في المبادىء ومسير التكامل الانساني ويستفتح الدعاء بطلب التولي أي النصر من الله للجيران والموالي أي الأحباء ممن يتصف بصفتين :
الأول: معرفة الحق أي الإعتراف به.
الثاني: نبذ الأعداء أي مقاطعتهم فإذا لم يتصف أحد بهتين الصفتين فإنه لا يتصف حقيقة بصفة الجوار والولاء وذلك لأن السبب الإهتمام بالجار إنما هو الولاء وليس الولاء إلا الحب وهو المقياس في الإنتماء إلى أي مبدأ في الحياة ومن هنا ندرك المسؤولية الملقاة على عاتق الانسان المسلم :
الأول: إقامة سنة الله وهي العدل في النفس والأسرة والمجتمع.
والثاني: الأخذ بمحاسن أدب الله ك(الإرفاق بالضعيف) أي اللطف به.
(سد الخلّة) أي القيام بحاجة الضعيف.
(عيادة المريض) بالزيارة والدعاء له بالشفاء.
(هداية المسترشد) الطالب للحقيقة.
(نصح المستشير) ببيان وجه الصواب.
(تعهد القادم) بالزيارة والتفقد.
(كتمان السر) مما يجب ان يخفى عن الاخرين.
(ستر العورة) مما ينبغي أن يستره الانسان حياءا.
(نصرة المظلوم) باعانته مادياً ومعنوياً ليصل إلى حقه.
(حسن المواساة بالماعون) أي المشاركة بما يتمتع به الناس عادة وبما ان الفقير غالبا ما يحتاج الى المال فيكون المساواة له بالمشاركة معه فيما يحتاجه من المال أو الطعام وماشابه.
(العود بالجدة والافضال) فالجدة هي المال والثروة والافضال هو الزيادة في الشيء والعود بهما أي الاحسان بهما عطفا على المحتاجين اليهما.
(اعطاء ما يجب قبل السؤال) فإن الحقوق الواجبة للفقراء والمحتاجين مسؤولية أساسية مفروضة على من يجب عليه الحق والمراد في هذا المقطع من الادب الاسلامي يقتضي الإعطاء قبل السؤال بمعنى أن يكون المسؤول واعياً لأداء واجبه من دون أن يفتقر الى التنبيه على ذلك بالسؤال.
هذه النقاط من الآداب الاسلامية الاساسية التي يجب أن تتحكم في المجتمع الاسلامي المحدد بالجوار الذي هو أربعين داراً وكذا يكمن فيمن يجمعهم الولاء ومن هذا يتكوّن المجتمع الاسلامي الأكبر فإن صلاح كل أمة بصلاح أفرادها لذلك يقول المثل الروسي: من يرم الشوك لدى جاره يره ينبت في حديقته.
من واجبات الفرد :
واجْعَلْنِي اللَّهُمَّ أَجْزِي بِالإحْسَانِ مُسِيْئَهُمْ، وَاعْرِضُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ ظَالِمِهِمْ، وَأَسْتَعْمِلْ حُسْنَ الظّنِّ فِي
كَافَّتِهِمْ، وَأَتَوَلَّى بِالْبِرِّ عَامَّتَهُمْ، وَأَغُضُّ بَصَرِي عَنْهُمْ عِفَّةً، وَألِينُ جَانِبِيْ لَهُمْ تَوَاضُعاً، وَأَرِقُّ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ مِنْهُمْ رَحْمَةً، وَأسِرُّ لَهُمْ بِالْغَيْبِ مَوَدَّةً، وَأُحِبُّ بَقَاءَ النِّعْمَةِ عِنْدَهُمْ نُصْحاً، وَاُوجِبُ لَهُمْ مَا اُوجِبُ لِحَامَّتِي، وَأَرْعَى لَهُمْ مَا أَرْعَى لِخَاصَّتِي.
وعد في هذا المقطع من واجبات الفرد المسلم تجاه الجار والأحبة ما يأتي :
١-الاحسان وليس فقط الى من يستحقه بل حتى الى المسيء كي ينتبه إلى خطأه فيقلع عن الإساءة.
٢-التجاوز أي العفو عن الظالم كي يكف عن الظلم.
٣-حسن الظن بالكافة من المحسن والمسيء والمظلوم والظالم فإنه يولد حسن الظن من الاخرين ويستلزم عدم العقوبة إلا مع اليقين ولايستلزم حسن الظن الانقياد والانخداع وان تصوره الظالم كذلك.
٤-البر وهو العطف لعامة الناس فإن الخير لا ينتج إلا الخير.
٥-العفة أي الكف عمالا يحل وغض البصر كناية عن عدم تتبع العثرات فإنه شغل من لا شغل له.
٦_التواضع وهو خلاف التكبر بلين الجانب وهو كناية عن الرفق والعطف.
٧-الرحمة وخاصة لاهل البلاء والامتحان فإنهم أحق بها والراحمون في الارض يرحمهم الرحمن.
٨-المودة وتظهر حقيقة المودة في النصح بظهر الغيب.
٩-النصح وهو يوجب بقاء النعمة ويستلزم تخليص العمل من شوائب الفساد.
١٠-الالتزام بالواجبات بالنسبة إلى كل افراد المجتمع بنفس الدرجة من الالتزام بالنسبة الى الخاصة أي خاصة الانسان من الأهل والولد والأقارب والنظر إلى الجميع بعين واحدة في أداء الواجب العام.
١١-الرعاية بأن تكون عناية الانسان المسلم شاملة لكافة افراد المجتمع الاسلامي المصغر على مستوى الواحب العام بنفس الدرجة من الرعاية بالخاصة من الأهل والأقارب.
ولا يخفى أن في الرعاية زيادة على الالتزام بالواجب لأنها عناية زائدة على الالتزام وهذه النقاط تحدد أهم واجبات الفرد تجاه المجتمع الاسلامي المصغّر الذي يعيش فيه الانسان.
من واجبات الجار
أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمِّد وَآلِهِ، وَارْزُقْنِي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَاجْعَلْ لِي أَوْفَى الْحُظُوظِ فِيمَا عِنْدَهُمْ، وَزِدْهُمْ
بَصِيْرَةً فِي حَقِّي، وَمَعْرِفَةً بِفَضْلِي، حَتَّى يَسْعَدُوا بِي وَأَسْعَدَ بِهِمْ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
هذه الواجبات تعمّ كل فرد من من افراد المجتمع المصغر الذي يرتبط فيما بينه برابطة الجوار والولاء، فيجب أن يكون لهم الدور المماثل بالنسبة إلى ذلك الفرد وواجبات الفرد المتقوم بالنقاط المذكورة مع زيادة ما يأتي:
١٢-جعل أوفى الحظوظ للداعي مما عند الآخرين من أفراد هذا المجتمع المصغر باعتباره المبتدىء بهذه الخطوة المباركة في أداء حقوق الجوار والولاء والفضل لمن سبق (والسّٰبقون السّٰبقون أولئك المقربون).
١٣-زيادة البصيرة فإن للمعرفة درجات كما ان للحقوق درجات ويتحقق أداء الحق بمعرفة أدناها وكلما زادت البصيرة والمعرفة تأكدت المسؤولية حسب درجات البصيرة ومعرفة كل ذي فضل القدر حسب فضله.
وقد ختم الامام زين العابدين الدعاء بما هو الغرض المطلوب من الدعاء وهو سعادة المجتمع بسعادة أفراده وهذه السعادة انما تتحقق بالبصيرة والمعرفة للمبادىء والمسير والهدف، فاذا كان الهدف هو سعادة المجتمع ككل والمبادئ هي القرآن والسنة وطبيعي أنه لا يمكن الوصول من المبادئ إلى الهدف الا بمعرفة أصحاب الفضيلة والحق من المجتمع الذين يقومون بدور قيادي لتطبيق تلك المبادئ، فيجب تقدير دورهم بالالتزام بقيادتهم لتحقيق الأهداف *1.
يعلمنا الامام المعصوم من خلال دعائه، الرفق والاهتمام بمن حولنا حتى وان لم يكونوا من اقربائنا ومن نفس الدم ،أي دين يهتم بمجتمعه وبالمبادئ الإنسانية بهذه الدقة وأي شخص يتكلم عن الحقوق بهذه اللباقة والفصاحة، رحم الله الفرزدق عندما أثنى عليه حيث قال:
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ
وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ
هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ..
سلام على أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و زقّوا العلم زقّاً .....
اضافةتعليق
التعليقات