إمام من أئمة المسلمين وعالم جليل وعابد فاضل من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وله مكانة جليلة عظيمة لدى جميع المسلمين، وصاحب المدرسة العملاقة في الفكر والمنهاج، وقد استطاع أن يؤسس في عصره اكبر مدرسة فقهية، فتتلمذ على يده العديد من العلماء من جميع الطوائف.
يقال أنه من أوائل الرواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ على يديه أبو الكيمياء جابر بن حيان، فقد كان عالم فلك، ومتكلماً، وأديباً، وفيلسوفاً، وطبيباً، وفيزيائيا، وقد نُسب إليه الشيعية الأثنى عشرية فيقال لهم (الجعفرية).
باقة عطرة من سيرة الامام الصادق (عليه السلام)
ولد الإمام الصادق (سلام الله عليه) في المدينة المنورة يوم الأثنين، السابع عشر من شهر ربيع الأول، وهو اليوم الذي وُلد فيه جده النبي (ص)، وكانت ولادة الإمام (ع) سنة ثلاثة وثمانين من الهجرة النبوية المباركة، وقيل سنة ثمانين للهجرة والقول الأول أشهر.
كنيته وألقابه: أشهر كناه أبو عبد الله ومنها أبو إسماعيل وأبو موسى وأما ألقابه فمنها الصادق والفاضل والطاهر والقائم والصابر والكافل والمنجى .
اشتهر الامام بلقب الصادق (عليه السلام) لكثرة صدقه وللحديث المروي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في وجه تسمية حفيده الإمام "بالصادق"، إن هذا اللقب أريد به تمييز الإمام من شخص آخر من سلالة الإمام اسمه جعفر يدعي الأمامية بغير وجه حق.
وأما امه: فهي أم فروة وأسمها قريبة او فاطمة، بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، تزوج من فاطمة بنت الحسين الأثرم ابن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان أبوها ابن عم زين العابدين (ع) ومنهن حميدة البربرية والدة الإمام موسى الكاظم (ع).
أولاده: له أحد عشر ولداً سبعة من الذكور وأربع إناث وهم: إسماعيل الأعرج، وعبد الله، والأمام موسى بن جعفر (ع) وإسحاق، ومحمد، وعلي، والعباس، وأما الإناث فهن فاطمة وأسماء وفاطمة الصغرى، وام فروة .
عاش (عليه السلام) خمساً وستين سنة على المشهور، أقام مع جده الإمام زين العابدين (عليه السلام) اثنتي عشر سنة، وبعده مع والده الإمام محمد الباقر تسع عشر سنة، وبعده في إمامته وخلافته أربعاً وثلاثين سنة .
الامام الصادق (عليه السلام ) ومعاصرة الطواغيت
عاصر الامام الصادق (عليه السلام) خمسة من حكام الأمويين، أولهم هشام بن عبدالملك، والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثم ابن عمه يزيد بن الوليد، وأخيه إبراهيم بن الوليد، ثم مروان بن محمد المعروف بالحمار الذي كان اخر ملوك بني امية، وقد انتهى عهد مروان بمقتله وبانتصار بني العباس، وبدء الحكم العباسي سنة 132من الهجرة النبوية المباركة .
وعاصر ملوك بني العباس اولهما مؤسس الدولة العباسية، وهو أبو العباس عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب (ع)، والجد الأخير الذي انتسبوا إليه، ولُقب اول ملوك بني العباس بالسفاح لفرط جوره وظلمه وكثرة ما سفح من دم وقتل من الناس الكثيرين وقد دام حكمه أربع سنوات وثمانية أشهر، واما الثاني الذي عاصره الإمام الصادق (عليه السلام) بعد السفاح فهو أخوه أبو جعفر المنصور الذي كان أسمه عبد الله أيضاً وكان له لقب اخر وهو الدوانيقي، وكان استشهاد الإمام الصادق (ع) في السنة العاشرة من حكم ابي جعفر المنصور الذي استمر اثنتين وعشرين سنة إلا شهراً واحداً .
مميزات عصر الامام الصادق (عليه السلام)
في عصر الامام الصادق (عليه السلام) كانت الاوضاع السياسية متوترة وفي صراع بين الحكام الأمويين والعباسيين، ورب ضرة نافعة، استغل الامام الصادق هذه الاوضاع ونشر أحكام الدين وعلوم أهل البيت (عليهم السلام) وتثقيف الامة، في الوقت الذي كان الجهل والخوف بين افراد المجتمع، فجعل الامام الصادق (عليه السلام) منزله بابا للتعلم لكافة العلوم الفقهية والفلكية والطب، والمناظرات الفكرية، وفلسفات لمدارس فكرية مختلفة.
وفي الأخبار الواردة عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه كان يحضر درسه اربعمائة رجل من وجوه المسلمين تلاميذ وعلماء ومجتهدين، وروي عنه وحدث من الثقات أربعة آلاف نفر، منهم مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة الذي كان من تلامذته والذي يقول (لولا السنتان لهلك النعمان) أي السنتين اللتين درسهما عند الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) وغيرهم، وكان عدد كبير من أعلام الفقهاء والصوفية يفتخرون بالنقل عنه، أمثال أبي يزيد، ومالك والشافعي وابن جريح وابراهيم بن ادهم، ومالك ابن دينار، بل أن مالك بن أنس كان يقول ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر، أفضل من جعفر الصادق (ع) فضلاً وعلماً وورعاً وعباد.
أقوال علماء السنَّة في حق الامام الصادق (عليه السلام)
قال مالك بن أنس إمام المالكية: "وما رأتْ عَينٌ، ولا سمعت أذنٌ، ولا خَطَر على قلب بشرٍ، أفضل من جعفر بن محمّد الصادق، علماً، وعِبادة، وَوَرَعاً»، ويقول في كلمة أخرى: «ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمّد فضلاً وعلماً وورعاً، وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إمّا صائماً، وإمّا قائماً، وإمّا ذاكراً، وكان من عظماء البلاد، وأكابر الزهّاد الذين يخشون ربّهم، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد".
كرم الامام الصادق (عليه السلام)
روي ان فقيرا سأل الامام الصادق (عليه السلام) فقال الامام لخادمه ما عندك قال اربعمئة درهم فقال الامام اعطه اياها فأعطاه فأخذها الفقير شاكرا للأمام فالتفت الامام لخادمه وقال له ارجعه فرجع الفقير وهو مستغرب فقال يا سيدي سألتك فأعطيتني فماذا بعد العطاء، فقال له: قال رسول الله؛ خير الصدقة ما أبقت غنى وإنا لم نغنك فخذ هذا الخاتم فقد اعطيت فيه عشرة الاف درهم فاذا اصبحت فبعه بهذه القيمة.
جاء إليه رجل فقال له: بأبي أنت وأمي عظني موعظة: فقال عليه السلام: "إنّ كان الله تبارك وتعالى قد تكفّل بالرزق فاهتمامك لماذا، وإن كان الرزق مقسوماً فالحرص لماذا، وإن كان الحساب حقاً فالجمع لماذا، وإن كان الخلف من الله عز وجل حقاً فالبخل لماذا، وإن كانت العقوبة من الله عز وجل النار فالمعصية لماذا، وإن كان الموت حقاً فالفرح لماذا، وإن كان العرض على الله عز وجل حقاً فالمكر لماذا، وإن كان الشيطان عدواً فالغفلة لماذا، وإن كان الممر على الصراط حقاً فالعجب لماذا، وإن كان كل شيء بقضاء وقدر فالحزن لماذا، وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا".
الإمام الصادق عليه السلام إلى الرفيق الأعلى
لقد عرف أبو جعفر العباسي ان أفضل طريقة للخلاص من الإمام الصادق (عليه السلام) هي دس السم اليه، وذلك في يوم الخامس والعشرين من شوال عام 148 هـ فمضى مسموما شهيدا، وقد دفن في مقبرة البقيع في جوار جده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) بعد تشييع مهيب من تلامذته ومحبيه، وكان آخر ما أوصى به الإمام الصادق هو الصلاة كما يظهر من بعض الروايات منها هذه الرواية التي نقلها أبو بصير وقال: «دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله [الصادق] فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: "يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً"، فتح عينيه ثم قال: "اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة"، قالت: "فما تركنا أحداً إلا جمعناه"، فنظر إليهم ثم قال: "إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة".
اضافةتعليق
التعليقات