أصبح من الواضح علمياً كما هو ملحوظ وجدانياً، مدى حاجة الطفل إلى الحنان والعطف الذي تفيضه عليه الأم، بشكل خاص، والذي لا يعوض عنه أي بديل، وإن توفير الاحتياجات الجسدية للطفل، لا يمكن أن يغنيه عن حب أمه وحنانها، ذلك الحب والحنان المميز الذي لا يصطنع ولا يستبدل حتى أن أبحاثاً علمية حديثة تشير إلى خطأ دارج من قبل المستشفيات التي يتم فيها التوليد بإشراف طبي، حيث يفصل الصغير عن الأم مباشرة بعد الولادة، لأسباب العناية الصحية، لكن نتائج هذه الأبحاث تخلص إلى القول: بوجوب وضع الوليد على تماس حسي مع الأم بعد الولادة مباشرة، وذلك لأهمية هذه اللحظات في العلاقات اللاحقة بين الطفل والأم، وأهمية توفير الفرصة للأم لرؤية الطفل وملامسته بعد الولادة مباشرة.
فهي في أشد الحاجة لتحسه وتتلمسه وتشمه، لذا بعد الولادة مباشرة يجب الحذر قبل التفكير بفصل الطفل عن الأم، وإن الطفل يحتاج إلى الغذاء، ويمكن توفير حاجته الغذائية من أي مصدر ، لكن أي تغذية للطفل، لا يمكن أن تكون بمستوى لبن الأم ، لا من حيث القيمة الغذائية فقط، بل لما يوفره من فرصة للإشباع العاطفي، ولإفاضة الحنان والحب على المولود، إضافة إلى ماتشعر به الأم من سعادة وسرور .
لذلك ورد في الحديث عن رسول الله ﷺ أنه قال : "ليس للصبي لبن خير من لبن أمه". وعن الامام علي (عليه السلام): «ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه».
فحليب الأم تتناسب مركباته مع حاجات الطفل خاصة في الأشهر الأولى، فهو قد صمم وركب ليفي بحاجات الطفل يوماً بيوم، ويعتبر رابطة فيزيولوجية محسوسة بين الطفل والأم، وامتداداً لحبل الولادة. وفوق ذلك كله، فإن قطرات حليب الأم التي يجتذبها الطفل، تصحبها دفقات عظيمة من العطف والحنان، تغذي نفسه إلى جانب تغذيته الجسدية .
ونفس الشيء يقال عن الحضانة، فقد يتوفر من يقوم بشؤون الطفل غير الأم، لكن لا أحد يوفر له ما تغدقه عليه الأم من حب وشفقة، وعطف وحنان.
لذلك قرر الإسلام أولوية الأم بإرضاع طفلها، وأحقيتها بحضانته في السنوات الأولى من عمره، على خلاف بين المذاهب والفقهاء في تحديد تلك السنوات .
إن إنفصال الطفل عن الأم، وحرمانه من فيض حبها وعطفها، يحدث آثاراً سلبية عميقة في نفسه، تنعكس على تشكیل شخصیته ومستقبل سلوكه، وسيرته في الحياة.
وكان العرب حينما تعجبهم متانة شخصية إنسان وقوتها، يصفونه بأنه (شبعان من حليب أمه) للتعبير عن ارتواء نفسيته، عطفاً وحناناً في صغره، مما جعله قوي الشخصية والحنان في ما بعد .
و تناقش دراسات تربوية واجتماعية حديثة، تأثير ابتعاد الأم العاملة عن وليدها عند ذهابها للعمل، وخاصة قبل إكمال السنة الأولى، وأن ذلك يعود بآثار سلبية على الأم والطفل، ومن الأفضل أن تمدد إجازة الأمومة إلى سنة كاملة .
وفي تقريره إلى منظمة الصحة العالمية قدم (بولبي) براهين عدة، تبين أن اضطراب الشخصية والعصاب، تكونان غالباً نتيجة الحرمان من عناية الأم، أو نتيجة لعلاقة متقطعة زمنيا، وغير دائمة بين الطفل والأم، وأن انقطاع العلاقة بينهما يعود بالنتائج السلبية على الطفل.
إن فيض حنان الأم يمنح نفس الطفل الأمن والاستقرار، ويغذي مشاعره بالطمأنينة والاستقامة، ويصلب شخصيته تجاه ما يستقبله في الحياة من مشاكل وأزمات.
مقتبس من كتاب _ شخصية المرأة بين رؤية الإسلام وواقع المسلمين
لـ_ حسن الصفار
اضافةتعليق
التعليقات