من السهل جدا إلقاء النظريات المثالية في أي مجال من مجالات الفكر الانساني، لكننا إذا ما ذهبنا إلى التطبيق العملي سنجد صعوبة، بل صعوبات تعترض طريقنا.
فبدءًا من الحياة الأسرية إلى المدرسية، إلى الوظيفية، مروراً بالاجتماعية، ومنعطفاتها الأخلاقية، وكيفية التعامل مع الآخرين، نجد أنفسنا مقصرين فعلا في أغلبها، فهذا ديدن الإنسان الذي خلق من ضعف، ولكنه يسعى إلى التكامل، والرقي بنفسه وواقعه، إلى أن ينتهي عمره، ويذكر بطيب أصله، وأخلاقه، وماترك من إرث معنوي، تحكي عنه صورة أسرته، أو انتاجه الثقافي، أو سيرة حياته المعطاءة بالخير والاحسان.
وفي خضم الحياة ومشاغلها، تبدو لنا ألق العبادة لله مجالا فسيحا للابداع، فمن جهة هي تقرب العبد إلى مولاه، وفترة لمراجعة الذات مما علق فيها من ترسبات الذنوب والمعاصي، فهي بالتالي كفة ميزان بين المجتمع والفرد، بين الانسان وربه، هذا الرب المتعالي المحيط بالبشر، وهو الذي يرعاهم ويحيطهم بعنايته، وهو الموجود الذي يتوجه إليه الناس باحتياجاتهم، يوم يجدونك مقصرا في حقهم.
والأشهر الحرم، وغيرها من الأوقات تشكل انعطافة، يجب أن يتخذها العبد وسيلة لتغيير واقعه، وبناء مستقبل واعد يتكل فيه على الله سبحانه، وعلى هذه الأوقات التي منحها له للعبادة مرة، وللملتقى الاجتماعي مرة أخرى، هذا الملتقى الذي يتهرب منه الانسان عادة متحججا بالمشاغل والكسل وضيق الخلق، لينعزل في مجموع أسرته، ويشكل عبئا على مجتمعه، فهو الحاضر الغائب الذي لا يقدم أي ذكر، أو فائدة لوجوده سوى الانكفاء بعيدا، ليكون في أمن وسلام ينشده كل انسان متناسيا دوره الحضاري والدافع لوجوده.
يقول الله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) لذا فالعمل هو الدور الانساني الأبرز، الذي تتسم به البشرية، وعادة ما يكون مطبوعا بطابع الانسان الخلقي أو العائلي أو الاجتماعي فالانسان ينشأ في بيئة، ويبقى ينتقل إلى أن يستقر به الأمر إلى نحو ما يشكل شخصيته، التي تتسم بطابع يميزه عن الآخرين، وعمله هو انعكاس لذلك العمر الذي قضاه بحثا عن غايته المنشودة التي هي بالطبع خلوده في مملكة الله.
حيث يرتع في رياض الجنان بالذكر الحسن، الذي تركه في دنياه، وعاش ضيق العيش وشظفه، ليسعد في اخراه، ولعل الخلود الذي تحكي عنه الأساطير القديمة في ملحمة جلجامش، هو رمز لذلك الخلود الأخروي الذي ينشده الانسان ليعلو ذكره عند رب الأرباب، فما فائدة أن يحمل الانسان صيتاً حسنا عند رب عمله لا يرضى عنه خالقه ومنعمه، الذي سخر له كل الامكانات، ليكون انسانا متزنا في أخلاقه ومعاملاته، فكيف يكون العمل انعكاسا لصورة الانسان الأمثل؟
في سيرة الأنبياء والأئمة والصالحين أمثلة تحتذى سواء في مجال العبادة، أو المعاملات، أو العمل، لذا فمن المهم أن نلاحظ أن األبية الأديان وأصلها وأساسها دعوة الله سبحانه الانسان للوحدانية الحنيفية وهي عبادة الله وحده. ومن خلال ذلك نستنتج أن لا يتكل الانسان على أي ما يمتلكه من كنوز مادية ومعنوية، في توجهه لله سبحانه، فهو بالنهاية سيحاسب وحده يوم القيامة، ولن تشفع له أسرته أو مجتمعه أو عشيرته أو حتى أبناءه، وحين يدرك هذه الحقيقة في أعماقه يكون قد تخلص من كل رواسب مجتمعه أو نفسه، فيقف متجردا من الأنانية، ولكن ما يحز بالنفس إذ ليس كل انسان قادر على فهم أخيه الانسان ليحكم على تصرفاته، وأخلاقه ومجاملاته، وخوفه، ونوازعه، وشهواته، أمام كل ذلك يجد المرء نفسه عاجزا متجردا أمام خالقه حتى من ثيابه، كما لو كان واقفا يوم القيامة أمام الملايين من البشر المتوجهين إلى الحساب.
وفي ذلك اليوم لا يفرح أحد لأحد، ولا يحزن أحد على أحد، حين يستلم نتائج عمله ويحاسبه الله على الأوقات التي ضيعها في عمره في تتبع العثرات، أو التقصير مع أخوانه، أو خذلانه للأئمة المعصومين الذين هم وسيلته الوحيدة التي يتمسك بها، ويتوجه بهم إليه ليكون في عداد الفائزين يوم القيامة، وفي الدنيا مادام يسير على هداهم ويقتدي بعملهم وسلوكهم وأخلاقهم، وهذه اضاءة بسيطة على واقع الانسان واحتياجاته العصرية.
اضافةتعليق
التعليقات