لغة الحب عابرة للحدود، فهي لا تنتهي بالموت، بل الحاجة لها فيما بعد الموت أكثر إلحاحا ومفرداتها أعمق دلالة، ذلك لأن الأموات بعد أن رحلوا عن دار العمل لم يعد بإمكانهم استئناف عمل جديد لمضاعفة حسناتهم أو التخفيف من سيئاتهم. فقد انقطع عملهم من الدنيا إلا ما استثنته الأحاديث والروايات، نظير ما ورد عن رسول الله (ص): «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا عن ثلاثة: ولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به بعد موته، وصدقة جارية».
لذا فإنهم يكونون في أمس الحاجة للدعاء والصدقة وأمثالها من صلة وبر وإحسان، من جهة أخرى، ونظرا لانتفاء المصلحة المباشرة الملموسة في التواصل مع الأموات، ولغياب لغة العتاب منهم في حالة انقطاع الوصل، فإن المداومة على التخاطب معهم بمختلف لغات الحب التي تصلهم في منازلهم الجديدة وعالمهم البرزخي تكتنز الكثير من الدلالات المتعالية على عالم المادة، والمتسامية مع الروح والغيب والخلود.
فرق كبير مثلا بين أن تزور مريضا في وعي تام، يعرفك وتعرفه، وتتبادل معه أطراف الحديث، ويدري أنك قمت بعيادته فيشكرك مقالا أو حالا، وبين أن تعود آخر على فراش المرض غائبا عن الوعي، لا يعلم بك غبت أو حضرت.
في الحالة الثانية سيكون لزيارتك معنى أكثر سموا، وأقرب للحب والوفاء، وأبعد عن المجاملة وأقرب إلى للصدق.
إن الموتى يشعرون بزيارتنا، فقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام قوله: «إي والله أنهم ليعلمون بكم ويفرحون بكم، ويستأنسون اليكم».
لكن مع ذلك فإننا في الواقع لا نشعر بعلمهم وفرحهم وأنسهم بنا لوجود الحجب بيننا وبينهم.
هناك لغة واحدة هامة تسعد الميت في قبره، وأعني بها لغة التواصل مع من لهم علاقة قريبة بهم، وبخاصة أولادهم لقول رسول الله (ص): «المرء يحفظ في ولده».
فكلما أغدقنا على أبناء المتوفي مشاعر الحب والعطف والحنان الخالصة، استطعنا أن نبعث للميت أجمل الرسائل وأرقها وأصدقها.
فلنتذكر هذه اللغة وبقية لغات الحب الأخرى التي تحفظ تواصلنا مع الموتى بحب.
اضافةتعليق
التعليقات