ذات يوم وقفتُ أتأمل عالمنا وما يجري فيه، فإذا بي أرى الدنيا وكأنها سوق كبير تتعالى فيه الأصوات (ضجيج البائعين والمشترين)، رأيت فيهم من يعرف أين يضع كنوزه التي يجمعها ويختار أشياء ذات فائدة قيّمة، وفيهم من يُضيع ما تعب من أجل جمعه بأشياء تافهة، وبينما أنا واقفة أتأمل إذ رأيت فتاة في مقتبل عمرها تَئِن وتتألم وعلى يديها طفلة، تأثرت بما رأيت وبدأتُ أتسائل، تُرى ما الذي يؤلم هذه الفتاة؟ وما الذي تَئِن من أجله؟، أصابني الفضول والأسى بنفس الوقت..
أخذت أدنو منها شيئاً فشيئاً حتى أصبحت بقربها، وأخذت أُهدىء من روعها وأُصبرها، أقول لها لايوجد شيء يستحق أن تتألمي من أجله هكذا فما زلت في مقتبل عمرك وتستطيعين التغلب على ألمك والاستمرار بحياتك، فتعالى بكاؤها وأنينها، ولتخفف ألمها بدأت تتكلم وتوضح حالها كيما ترتاح قليلاً وتُخرج ما بها من حزن وألم. صرتُ استمع لها بإنصات وإذا بها تقول إن أهلي يعتقدون بأن المرأة ليس لها أي دور في الحياة سوى عمل البيت وبأنها خُلقت من أجل خدمة الرجل فليس لها إلا الزواج وخدمة الزوج والعائلة.
فعندما كنتُ صغيرة لم يسمحوا لي باكمال دراستي الابتدائية مع تفوقي ووصولي لآخر مرحلة بها إلا انهم قالوا بأني لا احتاج لاكمال دراستي وانهم أعلم مني بما ينفعني وما أحتاج إليه، وما إن بلغت سن الثالثة عشر حتى جاءوا إليّ بشاب لم يتجاوز سن العشرين بعد فزوجوني منه، وأنا لا اعرف عنه شيئاً ولا هو يعرفني حتى، وبعد مدة قصيرة من زواجنا بدأت المشاكل بيني وبينه لأننا لم نتوافق بالفكر والطبع لكن كانت المشكلة الأكبر التي قضت علي هو أني قد حملت وعندما ولدت "وضعتها أنثى" عندها بدأ زوجي بالتأفف وكان موقف أهله التذمر وعدم الرضا بالمولودة المسكينة وبدأت أسنة كلامهم تجرحني.
زادت مشاكلي يوماً بعد يوم حتى انتهت بالطلاق، وإذا بي أعود لمنزل أهلي ومعي الطفلة المسكينة وما كان من أهلي إلا أن يلوموني على ما حدث، وبأنه كان عليّ أن أصبر وأتحمل وانهم كيف سيتحملون عبء هذه الطفلة الآن، ثم بدأ سعيهم بالبحث عن شخص آخر يزوجوني منه، وكأني ألعوبة بأيديهم يوجهونها حيثما أرادوا!
والآن ها أنتِ تريني وأنا بهذه الحالة أحمل هم هذه الطفلة وما سيكون مصيرها، هل ستعاني ما أعانيه أنا الآن أم ستكون أقوى وتتغلب على أفكار الجهل هذه؟!
صُعقت لِما سمعته منها، لم أتخيل بأن افكار الجاهلية ووأد البنات ما زالت تستشري بمجتمعاتنا، لم أعرف بمَّ أجيبها وقد تناثرت الكلمات من على لساني، أ حقاً هكذا عقول توجد إلى الآن، تعساً للجاهلين وغفلتهم.
سَكتُّ برهة، ثم توجهت لها بالكلام وقلت لها أنت تستطيعين التغلب على كل ذلك، لا تستسلمي ولا تقفي قاومي واظهري قوتك وطاقتك الكامنة التي جعلها تعالى بداخلك، لا يوجد صعب مع الارادة والقوة والتحدي، تَحدي كل صعب، تَغلبي على مآسي الحياة بمواجهتها.
اجعلي من ابنتك أقوى وأقوى، ومن أجلها لا تستسلمي أبداً، ولا تدعيها تُقاسي ما قاسيتِ..
فهكذا هي الحياة بمصاعبها وآلامها تُقوينا وتزيدنا خبرة وتعلمنا أموراً لم نعلمها من قبل...
استغيثي بأهل بيت الرحمة والجأي إليهم وسيكونون لك عوناً لمواجهة صعاب الحياة.
اضافةتعليق
التعليقات