دموع حائرة إلى ربها شاكية، غُربة أيام وقسوة زمان، طفولة ممزقة بأشواك عتية، يحاكي الليل بحزن النهار، فالظلام والنور عنده سيان، إنه اليتم، وقعه قاسي على النفس البشرية، طفلاً لم يتجاوز سن البلوغ، يصاب بفقد أحد الوالدين، يخسر الكثير من الشعور بالأمان والطمأنينة، وتتولد لديه مشاعر النقص العاطفي، وقساوة اليتم تولد لدى البعض الروح العدوانية وعدم تقبل الآخرين، وتتغير نظرة اليتيم لمن حوله، وقد يحمل بين طيات قلبه مشاعر الغضب والحقد على المجتمع، الذي لم يحاول التخفيف من وطأة ما حل به، وهناك في زمن الجاهلية كانت توجد ظاهرة لحل هذه المشكلة عن طريق التبني، وما إن جاء الإسلام بمبادئه السامية وتشريعاته الإلهية حتى عمد إلى تحريم التبني وإعطاء الحل البديل بالكفالة.
قد يحصل الاشتباه لدى بعض الناس عن موضوع التبني والكفالة، وهل يوجد فرق ينهما؟
إن التبني هو إلحاق نسب الطفل المتبني بنسب من تمناه ويعطيه اسمه ولقبه فيعتبره كابن حقيقي للأسرة وكذلك يورثه، فقد كان الصحابي الجليل المقداد بن عمرو يعرف بالمقداد ابن الأسود نسبة إلى من تبناه، ولقد حرم الاسلام التبني بعدما كان جائزاً في زمن الجاهلية بآية التحريم: ((ادعوهم لأباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم)) وهو أمر محرم في الشريعة.
أما الكفالة: فهي تتمثل بالإحسان الى اليتيم وإكرامه والإنفاق عليه دون أن يتم إلحاق نسبه إلى الشخص الكافل، وفيها من الأجر العظيم والثواب الجزيل ما يعلمه إلا الله عز وجل.
وربما يتساءل البعض لماذا حرم الله تعالى التبني وأحل الكفالة؟
والحكمة من التحريم لا يعلمها إلا الله عز وجل، إذ لكل تحريم أسباب ظاهرية وأخرى باطنية، ولعل من أهم أسباب تحريم التبني هو نتيجة:
1- لحدوث مخالفات شرعية منها المصافحة والرؤية غير الشرعية بين المرأة والمتبني الذي وصل إلى سن البلوغ (فهو والغريب على حد سواء) بينما لا يشترط في الكفالة سكن اليتيم في البيت ذاته للمتكفل، فبمجرد العناية به وتدبير أموره المعاشية والحياتية من بُعد يتحقق شرط الكفالة.
2- أو حتى لا يشارك الابن المتبني الولد الصلب في أحكام الوراثة.
3- لا يحدث اختلاط في الأنساب.
إن رعاية اليتيم سمة إنسانية ودينية، ينبغي على المجتمع، لا سيما المؤمن الالتفات إليها ومحاولة التخفيف من وطأة وقعها، سواء على الطفل نفسه أو الشخص الحاضن له، لا سيما لو كانت هذه العوائل تعاني من الفقر والعوز، والذي يضر بحالة الطفل اليتيم والحاضن له، ولقد جاءت العديد من الروايات، التي تؤكد على أهمية كفالة الأيتام واحتضانهم، لأن لها آثار عظيمة، منها حصول المؤمن على رقة القلب كما جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أنكر منكم قساوة قلبه، فليدن يتيماً فيلاطفه وليمسح رأسه، يلين قلبه بإذن الله، فإنّ لليتيم حقّاً". ولها في الآخرة ثواب عظيم، وللكافل منزلة كبيرة عند الله عز وجل يوم القيامة إذ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن من كفل يتيماً وكفل نفقته، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين في الجنة، وقرن بين إصبعه المسبحة والوسطى)، وهناك العديد من الروايات التي تشجع على كفالة الأيتام، ومع ذلك نشاهد عزوف الكثير من المؤمنين، عن هذا الكنز الرحماني أو أنهم غير مهتمين به، ليس لقلة اليد، إنما لعدم وجود الوعي لما يجري على أمور المسلمين، وشتان بين مؤمن حاز رضا الله بفعل الفرائض وبين مؤمن جمع بين رضا الله ومستحب مؤكد مثل كفالة يتيم.
اضافةتعليق
التعليقات