هناك ظواهر عديدة شاعت في مجتمعنا في السنوات الأخيرة كما تغيرت العديد من الامور التي كانت سابقا من المَعيب جدا أن نطبقها، الظاهرة التي سنتحدث عنها اليوم تسمى حسب نظري ظاهرة الطارئين على الغنى، أثر الجهل والحرمان.
توجد هذه الظاهرة لدى الفئات الميسورة والقادرة مادياً في المجتمعات المتخلفة والتي شَبِعَت بعد جوع، لهذا اطلقتُ عليها هذا المسمى. تسعى هذه الفئة إلى الإفراط في اقتناء وسائل الاستهلاك المادي وتبديد ثروتها على المظاهر الخارجية والتباهي المبالغ وشراء الكثيرمن الأشياء باهظة الثمن من غير مبالاة بدل توظيفها من أجل تطوير وتنمية شخصيتهم التي تنهار من دون وعي منهم.
وهي حالة يتنكر فيها المتخلف لوضعه كمختلف من خلال إحاطة نفسه بكل مظاهر الوجاهة المادية وبكل ما يبهر المجتمع والمحيطين بهِ محاولا لفت الانتباه واستدراج الكثير من حوله ممن يعتنون بالمظاهر ويقدرون شخصية الفرد على كثرة ما لديه وما يقتني وما يلبس!.
إن المباهاة في الشراء سلوك يتجلى في رغبة الفرد في إظهار تفوقه المادي على الآخرين من خلال شراء سلع باهظة الثمن أو ماركات فاخرة، بغرض لفت الانتباه وإثارة الإعجاب، إنه يحمل في طياته العديد من الآثار السلبية على الفرد والمجتمع.
وبعد كل هذا الضجيج والسعي وراء الجاه ولفت الأنظار يصبح إنساناً مزيفاً، أسير المظاهر والعناوين الواهية، باحثاً عن أقنعة الوجاهة. وهكذا يصبح هذا الإنسان ضحية مقدما نفسهُ وشخصيتهُ قرباناً للناس على مجزرة العُقد والحرمان.
هذه الفئة من الناس تُعتَبر من الفئات المرغوبة في المجتمع الجاهل ومنفرة للمجتمع المثقف، قد لا يرى أمامهُ مثالاً أو معياراً في سبيل تحقيق الذات أو الرفع من شأنه من خلال تثقيف نفسه سوى أسلوب حياة الاستعراض والتباهي، وهو دليل على الهروب من وضعية الجهل والتخلف الذي هو فيه وضغط حالة اليأس والصورة السيئة لنفسه.
إن الإنسان المستعرض فقد هويته وأصالته ووجد نفسه عارياً أمام غربته على نفسه، إنه مريض بمرض لا يستطيع التخلص منه إلا إذا حاول أن يجد نفسه أولا فهو يحاول بشتى الأساليب ومن خلال مختلف الأقنعة أن يجد هوية بديلة تعويضاً من خلال أسلوب البذخ والترف والاستعراض كل ظنه أن في ذلك وجود نفسه واحترام ذاته.
إنه بحاجة إلى الاعتراف لتأكيد قيمته الذاتية من خلال امتلاك الأشياء المادية ومواكبة الموضة ومواكبة أحدث الصيحات وقد يندفع بعضهم إلى الشراء المفرط بهدف الاندماج في مجموعة اجتماعية معينة فيلجأون للشراء المفرط كوسيلة لتعويض شعورهم بالنقص أو الفراغ الداخلي. ولو دققنا قليلا للاحظنا أنه لو لم يجد من يهتم ويمنحه القيمة العالية على هذا الأسلوب لما وصل إلى هذا الحد من الهوس والضياع.
ومن مثل هؤلاء المتخلفين والمجتمع المتخلف أيضًا، يتحرك كل إنسان إلى ستر خوائه الداخلي بكل وسيلة وطريقة، محاولاً إبهار الآخرين وإثارة غيرتهم. ومن أكثر العناصر التي تلعب هذا الدور هي المرأة، إذ تلعب دور "عارضة الاستعراض" على غرار "عارضة الأزياء". بسبب الهُزال الوجودي والقهر والمرارة والظلم الذي تعرضت له فيما سبق، يدفعها ذلك إلى المزيد من الإقبال على هذه المظاهر في أي مناسبة تتيح لها ذلك أو حتى في الشارع ، وهي بروز الشكليات لتستر بها عيوب شخصيتها وخواء ذاتها، ويصبح متنفسها لإبراز الوجاهة والمكانة متماهٍ بأسلوب ونموذج لا يربطها به شيء سوى الهروب من الذات من خلال التنكر الاستعراضي.
وفي المجتمعات المتخلفة، بدل تحرر العقل من الجهل من خلال التغيير الداخلي الحياتي للإنسان والتطوير من نفسه ومحاولة قمع العقد الناتجة من الحرمان وإعادة الاعتبار لشخصيته بشكل أفضل وأسلم وأصح، يتنكر المريض بهذا الأسلوب ويتقبل المجتمع رغم معرفته بماضيه غير آبهين بمسوى عقليته وثقافته فيجد المريض الأجواء المناسبة والسهلة لنتيجة سريعة بمجتمع متخلف أكثر منه وقبوله الظاهري وتركيزه على توافه الأمور حتى يصبح لديه وجاهة المظهر هو المقياس للإنسان وبما يتمتع به من جمال أو سلطة أو نفوذ أو أموال وغيرها!.
ومن هنا يُلاحظ في مجتمعنا تحديداً، أن النمو يزداد بسرعة من الناحية الاستهلاكية الاستعراضية على حساب الناحية الإنتاجية التطويرية، وقد بات الأغلب ضحايا للسوشيال ميديا والظهور المبالغ فيه والهوس على مجزرة الوجاهة والنتيجة هي محيط من البؤس والتَيه .
وهناك الكثير من عواقب عدم تثقيف النفس والبحث عن الذات والوجود الحقيقي أولها: صعوبة في التكيف مع التغيرات والمواصلة.
ثانيا: انخفاض الثقة بالنفس: فإن عدم التعلم والتطوير يؤدي إلى الشعور بالدونية وعدم الكفاءة حتى إن وجد الكثير ممن يميل له فهناك فئة مثقفة تعي ما تتصرف.
لذا أخيراً أوصيك بأن عليك الإنتباه والتركيز على الأمور الأكثر أهمية لتجد نفسك وتتصالح معها فأنت في ضياع تام ولا تعي ذلك، غَرتك الناس الجهلة التي التفتت حولك وأوصلتك على ما أنت عليه. فإن علاجك هو التصالح مع آلات والتركيز على تطوير نفسك وليست هذه الأمور الواهية التي ستنتهي بمجرد ما تُفلس وقد تكون في الحضيض الذي لم تكن تتوقعه يوما ما.
اضافةتعليق
التعليقات