أولا: إن عاشوراء هي دروس تربوية تعلّمنا منهج الحياة الصحيح، وأول ما نتعلمه من التضحية، هو معنى الربح والخسارة، والبعض يتصور أنه إذا أعطى بلا حدود يصبح خاسراً، فبعض الناس تفكيرهم ضيق فلا يعطي بقدر ما يأخذ، أو يأخذ أكثر مما يعطي باعتبار أنّ هذا العطاء الذي يعطيه أو التضحية هي خسارة بالنسبة له بحسب حساباته المادية، لكن على العكس من ذلك فإن التضحية هي ربح للإنسان في كل الأحوال. فكلما أعطى الإنسان، فإنه يرتقي سلّم السمو درجة درجة ويصعد أعلى ويربح أكثر، فهو الرابح وليس الخاسر، على العكس من أولئك الذين لا يضحون، فهم خاسرون دائماً، تراهم محدّدين ضيقين ليس لديهم فسحة من الحركة الإيجابية الواعية، وحساباتهم محدودة على النقيض من حسابات التضحية الكبيرة والعظيمة.
ثانيا: إن التضحية انتصار وليست هزيمة، كما أن عدم التضحية هي هزيمة، لذلك فإن تضحية الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء انتصار كبير من أجل المبادئ، فلا يمكن أن تُحسَب عاشوراء بحساب المعارك العادية لأنها حسابات دنيوية، لكن في معركة الطف انتصرت المبادئ والقيم الحسينية ورسالة رسول الله (صلى الله عليه واله ) ، لذلك هذا انتصار وليس هزيمة كما قالت السيدة زينب ليزيد: "فَوَ اللَّهِ لَا تَمْحُو ذَكَرْنَا".
هناك بعض الناس يتخلون عن مبادئهم بسبب شعورهم بالهزيمة، وهناك من يجابه الشعائر الحسينية بسبب هذا الشعور، ولكن الشعائر في واقع الأمر هي انتصار وعزيمة وتربية للأجيال على معاني التضحية والعطاء.
إن رضا الله سبحانه وتعالى هو المعيار في كل الأوقات، وليس رضا السلطان أو الحرص على الدنيا، فقد يفكر صاحب محل ببيع بضاعة مغشوشة، لكنه يتوقف عن ذلك عندما يضع الخوف من الله سبحانه في اعتباراته، فكل شيء نعمله في حياتنا لابد أن يكون في إطار رضا الله عز وجل، فهو توفيق للإنسان، لذلك فإنّ الذي علينا معرفته هو أنّ التضحية التي قدمها الإمام الحسين (عليه السلام) ولم يتنازل عنها، هي من أجل رضا الله سبحانه، فإذا سار الإنسان في هذا المنهج سيكون موفقاً في حياته.
يقول الامام الحسين (عليه السلام): «رِضَى اللَّهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ» ، فأي عمل يختاره الانسان في حياته عليه أن يتأكد بنفسه، هل هذا يرضي الله أم لا.
التضحية حياة
ثالثا: التضحية حياة والإنسحاب موت، فهؤلاء الذين بقوا مع الإمام الحسين (عليه السلام) هم أحياء وذكرهم خالد، وهذا يعني أننا في مواقفنا يجب أن تكون لدينا حسابات غير دنيوية وغير ضيقة، بل حسابات معنوية عالية. إن التضحية حياة وليست موتا ولا خسارة ولا هزيمة، بل هي حياة تُعطى للإنسان، لذلك نلاحظ أنّ الذين عندهم عطاء واسع وتضحيات كبيرة، ترى وجوههم يتألقون معنوياً، فكلما يكون الإنسان معطاءً ومضحياً تكون النور فيه و فيه الطاقة الإيجابية كبيرة ، اما الذين ليس لديهم عطاء لا ترى النور في وجوههم، فمعنى هذا أنّ هناك نوعاً من الموت يصيب هذا الشخص وتسيطر عليهم الإفرازات السلبية والرؤية الظلامية، لأنّ الإنسان إنما يحيى بالمبادئ، لذلك يجب أن نطبق ما يريده الله سبحانه ورسوله وأهل البيت (عليهم السلام) حتى نغذي أنفسنا بالطاقات الإيجابية المستنيرة.
هذه من دروس عاشوراء التي جاءت من أجل أن نعيش نحن ونسير في مسيرة صحيحة، لا بد أن نطبق ما قالوا ونقرأ أحاديثهم (عليهم السلام)، ويجب علينا في الجلسات العائلية وحواراتنا العائلية وحوارات الأصدقاء وتلك التي تعقد في المواكب الحسينية، أن نقرأ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ونتدبر فيها ونستلهم منها الأفكار والثقافات والقيم والسلوكيات التي تفيدنا في حياتنا وأن نسير على سيرتهم بالعلم والعمل والتعليم والاستقامة.
مقتبس من كتاب الامام الحسين (عليه السلام) تحرير العقول وهداية القلوب لسماحة الشيخ مرتضى معاش
اضافةتعليق
التعليقات