الطفل لبنة المجتمع وكلما كثر اهتمام المجتمع بشريحة الأطفال لديه كلما استطاع التطور والانجازية بصورة أسلس وأكثر، ومع كل التطور الحاصل لاتزال القصة تحتل مكانة في قلوب الأطفال بصورة خاصة ولدى الكبار بصورة أعم، وبصفتي معلمة في مدرسة للصغار وأم لثلاثة أطفال أرى مدى ضجر تلاميذي وأطفالي لدى تصفحهم كتب المدرسة ومقدار الملل الذي يعلو جبهاتهم حتى بات هذا الملل غير محجوب للرائي، أصبحوا لا ينفكون يذكرون عبارات تدل على تعبهم وتذمرهم من المواد الدراسية ومن صعوبة المواد وبرأيي العقل البشري أذكى وأقدر على استيعاب مواد أصعب من مناهجنا الحالية فأين يكمن الخلل ياترى؟.
الصعوبة ليست في المواد إنما في طرق التأليف وكيفية التوصيل، المواد أصبحت تدرس بشكل جاف، مجرد معلومات تضخ في دماغ التلميذ بصورة مكثفة لعدة أشهر ومع ضغوط الامتحانات وتوتر المعلم والطالب والأهالي على حد سواء نرى ما إن يتم إكمال الطالب امتحاناته إلا وقد نسي كل المادة أو معظمها وقد أحاطتها الرؤية الضبابية!.
ماذا لو متعنا العقل البشري أثناء عملية التعليم بأبسط الطرق وهي طريقة القصة فالقصة كانت ومازالت وسيلة لتمتع العقل البشري وسفره عبر المكان والزمان من غير حد أو شرط وهي أيضاً وسيلة مستخدمة في القرآن الكريم خاطبت كافة الفئات آنذاك ولاقت إقبالاً واسعاً فلماذا لاتستخدم القصة كأسلوب تعليمي وتربوي في وقتنا هذا?
أطفال السويد لم يرغبوا في حضور درس الجغرافية وشعروا بالملل ماذا كان العلاج لهذه المشكلة؟
نيلز وهو الطفل الذي قام قزم بمسخه فحوله من حجمه الطبيعي إلى حجمٍ صغير جداً وذلك عقاباً له لايذائه الحيوانات وبسبب حجمه الجديد أصبح يركب على ظهر الأوزة الداجنة مورتن ثم قام بالسفر مع الوز البري برفقة مورتن شمالاً في فصل الصيف وجنوباً في فصل الشتاء مروراً بمناطق مختلفة التضاريس..
قصة نيلز لم تكتب بالصدفة وإنما كان هدفها عميق، وكان السبب في كتابتها هو ضجر أطفال السويد من كتاب الجغرافية وعدم رغبتهم لحضور دروس الجغرافية، وبعد عدة دراسات قامت بها وزارة التربية السويدية اكتشفت الوزارة أن السبب يعود لرتابة كتاب الجغرافية المقرر بحيث يكون مضجر للأطفال لفهمه لذلك طلبوا من الكاتبه سيلمى أن تكتب كتاب جغرافية جديد وممتع..
وكانت نتيجة العمل لمدة (6) سنوات سافرت فيها بكل أرجاء السويد الكتاب الرائع (نيلز هولكر سونس ورحلته عبر السويد) في عام (1906).. الكتاب الذي جعل الكبار قبل الصغار يقبلون على قراءته وأيضاً كان السبب الذي جعل أطفال السويد يرغبون من جديد لفهم جغرافية بلدهم.. فيما بعد ترجم الكتاب إلى (12) لغة، وكذلك أصبح مسلسل كرتوني.
خطوات رواية القصة:
1- على المعلمة أن تقوم بقراءة القصة عدة مرات حتى تصبح جزءاً منها وأن تختار القصة التي تحتوي على عناصر التشويق والإثارة التي تتفق وحاجات الطلاب النفسية والعمرية: لغة القصة ومفرداتها – الصور والرموز – حجم القصة وصفحاتها – الوقت المتوفر لسرد القصة – مستوى الطلاب..... إلخ .
2- تحدد المعلمة الوقت الذي يحتاجه سرد القصة، وهل يستطيع الأطفال البقاء هادئين طوال هذا الوقت؟
3- تحدد المعلمة عدة أمور منها: هل هناك أجزاء في القصة يستطيع الأطفال من خلالها المشاركة في سرد القصة (مثال: مقاطع مكررة، أسئلة موجودة في القصة) هل هناك تفاصيل في الصور تجد أنه من المهم أن يلاحظها الأطفال، هل الصوت له أثر على بعض أجزاء القصة وكيف سيثري ذلك القصة، (أصوات حيوانات، صوت المطر... الخ).
4- تحدد المعلمة الكلمات الصعبة وغير المألوفة بالنسبة للأطفال، وتبدلّها بكلمات أخرى لها نفس المعنى، ويمكن أن تفسر المعلمة بعض الكلمات ضمنياً أثناء السرد مثل أن تقول (المهر ابن الحصان ظل يجري.. ويجري).
5- تهيئ المعلمة المكان المناسب لرواية القصة، على أن يكون هذا المكان بعيداً عن الضوضاء، وبحيث يسمح لجميع الأطفال رؤية وسماع الرواية.
6- تختار المعلمة الوقت الملائم لرواية القصة في الصف.
7- تصمم المعلمة خطة لجذب انتباه الأطفال للقصة، فالأطفال غالباً ما يستمعون ويتابعون القصة إذا كان هناك سبب لذلك، وعلى سبيل المثال:
- تعرض المعلمة غلاف القصة أو الصور الأولى وتطرح الأسئلة لجذب انتباه الأطفال مثل: ماذا ترون في الصورة، لماذا تعتقدون أن هذا الطفل يبدو سعيداً؟
- التعريف بعنوان القصة والمؤلف والرسام.
8-تطرح المعلمة بعض الأسئلة في نهاية القصة تكشف عن عمق الاستماع ومستوى الفهم.. وترك الحرية للطلاب للتعبير عن خلاصة القصة بأسلوبهم وكلماتهم.. واعملي على تطويرها تدريجياً.
9- تحاول المعلمة أن تنوع في القصص بحيث لا تكون متشابهة دائماً وبنفس الأسلوب واللغة خوفاً من أن تفقد القصة أهدافها التربوية وتقودهم للنفور.. بل أن تختار في كل مرة القصة التي تعتقد أنها تقدم لهم جديداً وخبرة وتلبي جانباً من حاجاتهم النفسية أو الاجتماعية التربوية.
ختاما، تعتبر القصة عنصر جذبٍ واهتمامٍ كبير للصغار والكبار على حدٍّ سواء، ومادةً قيّمة لنقل الأفكار والقيم، وتسليةً للنفوس مع تحقيق الأهداف المبتغاة، ولذلك نجد أن الله تعالى وهو العالمُ بطبيعة النفس البشرية من انجذابها للأسلوب القصصي في التعليم، ومن شغفها لكشف الأحداث والغموض، ولحبها للاستماع والتعلم؛ وكما قلنا سابقاً قد استخدم الأسلوب القصصي في القرآن الكريم وبطرقٍ شتّى، وقد قال تعالى:
{نحن نقصُّ عليك أحسنَ القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} (يوسف:3).
وهناك الكثير من الكُتّاب العرب لديهم القدرة على تأليف القصص القصيرة والروايات ماذا يحصل لو اعطوهم الفرصة كي يغيروا المناهج بصورة تتلائم مع العقل الطفولي وتجلب لهم المتعة وترسخ في اذهانهم المعلومات بدل من الملل الحاصل اليوم من قبل المعلمين والتلاميذ على حد سواء.
اضافةتعليق
التعليقات