في كل خريف تحت تساقط أوراق تلك الشجرة كانا يلتقيان..
في اللقاء الاول قال لها:(احبك) خفق قلبها له بشدة، تسارعت نبضاته، ماذا افعل انه على وشك الأنفجار رفعت رأسها لتقول تلك الكلمات لكنه اختفى....
في اللقاء الثاني قال لها:(احب)! حينها شعرت بإحساس غريب كأن هنالك شيئا ناقصا، رفعت نظرها اليه ثم اختفى..
في اللقاء الثالث قال لها:(اح) وضعت يدها على صدرها واعتصرت قلبها لعل الألم يختفي ولكن دون جدوى نظرت اليه بعينين مغرغرة بالدموع ثم اختفى..
في اللقاء الرابع قال لها:(أ) نظرت اليه بعينين ترجوان البقاء لكنها شعرت بذلك الفراغ يزداد بينهما كان يبتعد عنها اكثر فاكثر وقبل ان يتسنى لها اللحاق به اختفى..
في اللقاء الخامس تحدثت العينان قبل الشفتين، هي: ارجوك لا ترحل لا تتركني، كانت ترغب بقولها ولكن قلبها يعلم انه يعد هنالك مكان لها في قلبه، واختفى قبل ان يتسنى لها ذلك..
وهكذا بقيت وحيدة كل خريف تحت الشجرة حبيسة الذكريات مع امل كاذب لعله يعود، تدرس كل لقاء في ذاكرتها بالتفصيل بحثا عن جواب، لماذا تلك الكلمة اصبحت كتفاحة مسمومة داخل عمق فمها.
حتى ادركت انه كان وهم متنكر. مر خريف آخر وها هي هنا مرة اخرى تحت الشجرة تجمع الأوراق المتساقطة وتتذكر لعل الذكريات تواسيها وتخفف من ألم الفراق، فإذا بإعصار يضرب المكان، تطايرت الأوراق ثم اجتمعت كستار تلاشى ليظهر رجل خلفها ذو ملامح ساخرة ابتسم بسخرية وقال: أنتِ هنا مرة اخرى ألم تسأمي الانتظار؟
_أجابت: انت هل تعرفني؟
_بالطبع اعرفك انا معك منذ البداية..
_خذي تفاحة هدية، لقد جئتك بخبر منه..
_من تقصد؟
_من برأيك، من تنتظرينه كل خريف..
حقا هل تعرفه هل لديك فعلا اخبار عنه، اخبرني ارجوك..
سأخبرك بعد ان تأكلي التفاحة، حسنا تناولت الفتاة قضمة فاذا بها تعلق في عمق فمها، اه انا اختنق ما الذي يحدث لي..
انفجر ضاحكا وتدحرج على الارض بين الاوراق، وضع يديه على صدره صارخا اه لا استطيع التوقف عن الضحك ههههههه
ثم قفز نحوها، ايتها السخيفة سأجيبك عن اسئلتك كم أنتِ غبية ألم تدركي الحقيقة..
بعدك ذلك الرجل قد تزوج بأخرى هل فهمت الان، كنتِ مجرد لعبة..
_هههههههههههههه أنتِ مضحكة..
الى اللقاء الان في موعد اخر ترك اصداء ضحكاته خلفه ثم اختفى تحت زوبعة الأوراق..
مرت اشهر وتلك القضمة لاتزال عالقة في عمق فمي لا اكل ينفع ولاشراب في التخلص منها.
عدت لذلك المكان، ارجوك اظهر، ساعدني اخبرني كيف اتخلص منها، حينها ظهرت زوبعة الاوراق المتساقطة، وما ان هدأت حتى ظهر خلفها، حينها حدق بها بعينين كبيرتين حتى شعرت ان تلك العينين كبيرة بما يكفي لابتلاعها ثم فتح فمه لتنطق شفاهه: ألم يكفيك ذلك الألم، حسنا اليك ألم جديد، اختفى ثم ظهر من خلفها بسرعة واضعا حبل حول عنقها، حاولت التخلص منه ولكنها لم تستطع، الحبل كان يضغط حول عنقها ويعتصرها بقوة كلما حاولت فكه، ثم قال: لا تحاولي فكه.. محاولاتك ستكون عديمة الجدوى، ضحك باستهزاء مرة اخرى ثم اختفى، بكيت الفتاة كثيرا لأيام متواصلة حتى نشفت الدموع.
اصابها النحول، والارق اصبح رفيقها، مضت ايام اخرى لم تعد تشتهي الطعام والشراب اصبحت حبيسة الفراش، عادت مرة اخرى الى الشجرة، لم تنادي هذه المرة، جلست تحت الشجرة حتى ظهرت الزوبعة وظهر معها، وقف امامها ثم انحنى نحوها: ما هذا أنتِ تبدين مختلفة هذه المرة، حاول استفزازها ولكنها لم تستجب.. اكمل قائلا: لما لا تصرخين كالعادة طالبة المساعدة.
مرة اخرى لم تعره اي اهتمام حينها غضب صارخا حسنا ما رأيك بعقاب جديد.. حينها ارتفعت الاوراق وهبت الريح مع صوت الرعد واظلم المكان قال: هذه المرة سأسلبك جمالك، والقى باللعنة عليها حتى هدءت الريح مع انتهاء اللعنة حينها ناولها مرآة؛ انظري..
انظري الى وجهك الان، أترين الدوائر السوداء الكبيرة حول عينيك، وجه شاحب، خطوط التقدم بالعمر حول شفاهك وتحت عينيك، لم تعودي وردة متفتحة، وجهك الان يخلو من الجمال، نظرت الى نفسها في المرايا ثم نظرت اليه دون ان تطرف عينيها وقالت: لم يعد يهمني، وقع على الارض ثم تراجع نحو الخلف زاحفا على يديه وقدميه خائفا مترددا، ما هذا هذه اول مره افشل فيها ثم قال: أنتِ لست خائفة مني ولكن كيف حدث هذا، ثم اخرج كتاب من جيب سترته واخذ يقلب الاوراق بعنف بحثا عن لعنة جديدة يلقيها عليها
ولكن الفتاة نهضت من مكانها وقفت بعيدة عنه ببضعة الامتار
وهو ينظر الى ظهرها والخوف يعتليه..
قالت: ليس هنالك نفع، لا تتعب نفسك مهما حاولت البحث عن لعنات جديدة تعذبني بها، لم يعد يهمني، بعد الان لاشي سينفع معي، ثم حملت فأس واتجهت نحو الشجرة واخذت تضرب الجذع بكل قوتها، تحطم وتحطم بينما يستغيث على الارض، توقفي لا تفعلي ذلك، توقفت لبرهة ثم قالت: لماذا؟
زحف نحو قدميها وامسك بهما متوسلا وقال: ان توقفت الان سأزيل اللعنات عنك سأخرج التفاحة المسمومة وسأقطع الحبل عن رقبتك واعيد اليكِ جمالك..
انحنت نحوه وامسكت بذقنه وضحكت ضحكات مدوية مجنونة، انتشرت في كل مكان كالصدى وضع يديه حول اذنيه مرتعبا..
ثم قالت: الم تفهم بعد، لم اعد اهتم فلتذهب للجحيم انت ولعناتك سأعيش مع تلك اللعنات بسرور، الالم الذي وهبتني اياه هو ما يبقيني على قيد الحياة، ثم عادت للضحك بجنون وهي تحطم الشجرة..
وكلما حطمت ذلك الجذع كلما تهدم عالمه، غادرت المكان حافية القدمين بصحبة اللعنات الثلاث التفاحة والحبل والشيخوخة، صاح خلفها عودي ساعديني والارض تبتلعه، تابعت السير حتى تحطم المكان كليا واختفى..
استطاعت العيش مع ندوب اللعنات كجسد بلا روح..
هذه هي النهاية..
وهكذا هو الحب، يختفي تدريجيا إن لم يكن صادقا، فلا عجب ان سمي القلب بهذا الاسم لكثرة تقلبه، تارة تحب احدا ما وتارة تكرهه، ولكن الله ميز المرأة بميزة عن الرجال الا وهي الوفاء بشكل أكثر، فعلى الرغم من ان المرأة تحركها المشاعر بل انها نفسها كتلة من المشاعر والرجل يتحرك وفق العقل الا ان المرأة تبقى وفية في اكثر الحالات لمن تحب وان احبت تبقى سجينة ذلك الحب الى ان تموت، على عكس بعض الرجال، والذي تحركه الغرائز ويرى النساء مجموعة من الممتلكات او اي شيء اخر حسبما يعكسه تربيته او عقليته التي يجب ان يقتنيها جميعها او ان يحصل على اكبر عدد منها.
كذلك المرأة يمكن ان تخدع بسهولة بمكر الرجال فهي بسيطة جدا بضع كلمات من لسانك المعسول وستقع رهينة أشارتك، فرفقا بقلوب النساء فما خلقت ليتم استغلالها واللعب بها وقت الفراغ.
عن الامام علي بن ابي طالب (عليه افضل الصلاة والسلام):إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً فدعه ولا تكثر عليه تأسفا ففي الناس إبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلا خير في خل يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله ويلقاه من بعد المودة بالجفا وينكر عيشاً قد تقادم عهده ويظهر سراً كان بالأمس في خفا سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا.
اضافةتعليق
التعليقات