في غياهب الظَلام تاهت النفوس واضمحل الاحساس وانتُزعت الرحمة من قلوب الكثيرين لتنعدم الانسانية ما بين الغفلة والانانية ويتربع بدلها حب الذات والسعي للفوز بالملذات على حساب كل شيء واي كان حتى اُصبنا بأسوء انواع القحط واخطرها على مر العصور ألا وهو قحط الانسانية!.
نعاني اليوم في بلدنا العزيز المخضب بالجراح من كل شيء على الاطلاق والكارثة الحقيقية كاننا اعتدنا على المعاناة بل اصبحت جزءا لا يتجزأ من واقع حياتنا فلن يتحقق اي هدف نظيف دون تعب وقهر لنجد الاهداف صعبة المنال واضحت قحطا، حتى وصل الامر بأن تكون الشِباك خالية من وجود الحارس لانه يعلم بعدم كفاءة الهدافين لما نُصب لهم من خُطةٍ مُحبكة وان كان هناك عدد من الحائزين على الاهداف فانهم لن يتأهلوا..
مما جعل الغالبية من المسؤولين يفضلون بيع المباراة مسبقا على حساب الحالمين والكادحين بدلا من خوضها والمجازفة لاجل الفوز وعليهم الحصول على المكسب حتى وان تجردوا من انسانيتهم!.
ترى عجوزا كهلا يجلس في احد شوارع مركز المدينة منحنيا على ركبتيه وهو يحمل بيده المجعدة المنهكة فرشاة ينظف بها حذاء شاب في ريعان شبابه! وترى فتاة بعمر الزهور تعدو لاهثة خلف المارة ليشتروا منها مناديل ورقية ومثيلاتها يجلسن على مقاعد الدراسة! وترى إمرأة طاعنة في السن تجلس تحت عين الشمس تمد يدها للاستجداء وتغطي وجهها عن اذية الذباب والبعوض لها متناسية اذية الانسان!.
وتَرى وتَرى.. ويا تُرى اين الانسان من هؤلاء في هذا اليوم؟
يحكى ان في زمن النبي موسى (ع) كان هناك رجل وإمرأته من فقراء القوم، ذات يوم جلست الزوجة وقالت له: سمعت ان هناك رجل يُدعى موسى يقال انه نبي الله وكليمه وإن دَعوَتهُ مستجابة فاذهب اليه واطلب منه ان يدعو ربه وان يوسع علينا بالرزق، فذهب الرجل الى النبي وطلب منه ذلك، فدعا النبي ربه ان عبدك فُلان فقير ويدعوك ان توسع عليه في الرزق فقال له الله تعالى (يا موسى سأغنيه لمدة عام وسيعود بعدها فقيرا).
ذهب النبي واخبر الرجل بذلك فسُر كثيرا واسرع ليخبر زوجته وكانت إمرأة صالحة، فأتاهم الله برزق كثير ومن كل شيء تشتهيه الانفس، مرّ العام مسرعا وشارف على الانتهاء ولم يبقَ منه سوى ايام قلائل، فجلست الزوجة مع زوجها وقالت له: ان هذا العام اوشك على الانتهاء وسنعود فقراء فأنظر ماذا نفعل، فقال لها: نحفر حفرة كبيرة ونضع فيها الكثير من المال والذهب وعندما تأتي ايام الفقر نستخرج من الحفرة ما يكفينا، فقالت له: ان الله الذي اعطانا كل هذا الرزق قادر على كل شيء وعالم بكل شيء، فقال لها: ماذا نفعل اذاً؟ فقالت له: نبني مكان كبير ونجعل له اربعة ابواب وندعوا الناس بأن كل من له حاجة يأتي الى هذا المكان فيأخذ ما يريد حتى اذا عدنا فقراء سنجد من يساعدنا..
وفعلوا هذا واصبح الناس المحتاجين يأتون من كل مكان ليطلبوا حاجاتهم فيجدوها، وانتشر الامر واصبحت الابواب مشغولة دائما، انتهى العام ومازال الخير موجود ومرت اعوام كثيرة وما زال الرزق يزداد، وفي يوم مرّ النبي على هذا المكان فسأل لمن هذا؟ فعلم انه للرجل الذي دعا ربه ليغنيه فذهب النبي الى ربه وسأله: لقد دعوتك ياربي ان تغني هذا الرجل فأخبرتني بأنك ستغنيه لمدة عام ثم يعود بعدها لفقره، وقد مرّ على ذلك العام اعوام كثيرة ومازال الخير موجود؟ فقال تعالى: (ياموسى كيف لي ان اقفل لهم باب الرزق وقد فتحت لهم باباً واحداً للرزق ففتحوا لعبادي اربعة ابواب).
وهنا تُوَضح الحكاية ان على الانسان ان يعمل بما يرضي ربه ويُعطي كما اعطاه فينال التوفيق ليزده الله ضعف ما عمل، قال تعالى: {ومٌن يِعمٌلّ مٌثَقالّ ذٍرۃ خيِر يِرهً}.
نحتاج اليوم الى كل انسان على ان يعمل بأنسانيته قدر المستطاع، ان يسارع في انتشال اخوه الانسان من واقعه المرير، ان يساعده بالقول والفعل، يسانده في الشدة والرخاء في السر والعلانية، ان يشعر به ويعمل على اغاثته بكل ما لديه من امكانيات قد مَنّ الله تعالى بها عليه..
والجدير بالذكر اننا نمتلك كنوزا لا تنفد يَحيا بعطائها الجميع مدى الحياة سنجدها ريثما نبحث عنها، انها فضائل آل بيتا النبوّة (ع) في رثاء الانسانية و"لنا في رسول الله وآل بيته إسوة حسنة" وقد قال تعالى {لاِيِغٌيِر آلّلّهً مٌا بقومٌ حًتٍى يِغٌيِروا مٌا بأنفُسهًمٌ} الكل يحلم بالتغيير دون ممارسته! وهنا تكمن المعضلة فيستمر القحط!.
اضافةتعليق
التعليقات