الطريقة التي تفكر بها هي الطريقة التي تشعر بها، "التفكير يولد الشعور والانفعال".
فتاة عازبة عمرها 18 سنة من المملكة المغربية، راجعتني تشكو من مشاعر سلبية تشاؤمية مستحوذة عليها. وصفت ذاتها أنها تميل إلى تدمير سعادتها، وأفكارها تخلق الشقاء لها. قالت: "أشعر أنني لا أسيطر على الطريقة التي أشعر بها". يئست من العلاجات النفسية والأدوية النفسية التي تناولتها بلا طائل، وبدت أنها ستعيش على هذا النمط من الكرب النفسي الدائم الذي يلازمها. إنها لا تدري أن أفكارها هي المسؤولة عن مشاعر اليأس والتشاؤم التي تعانيها. كان لا بد من المداخلة العلاجية على جهاز المعتقد السلبي الذي يولد عندها هذا الكرب المزمن.
من المشكوك أن الكائن الإنساني يستطيع السيطرة على الأشياء بقوة ذهنه المحضة. في حين، إن ما أصبح أكثر وضوحاً هو أن الأفكار والمدركات تستطيع أن تؤثر على المزاج، والمشاعر والانفعالات أو العواطف تأثيراً دراماتيكياً.
نسمع كثيراً من الناس في حياتنا العامة يرددون مثل هذه الأقوال: "هذا الأمر طيرَّ صوابي وعقلي" "لقد أزعجني هذا الإنسان" "هذا الأمر أزعجني".
إن هذه المقولات والتعبيرات توحي لنا وكأن الحوادث الخارجية لها سيطرة مباشرة على أمزجتنا. الحقيقة العلمية: ليس الأمر كذلك..
إنها ليست الحوادث الخارجية هي التي تخلق عواطفنا أو تُحدثها، ولكن الصورة التي نريد أن نؤطر من خلالها الحوادث ونؤولها، وهي التي تحدد نوعية العاطفة أو الانفعال الذي نشعر به.
وبتعبير آخر: إن ردود أفعالنا الانفعالية إزاء المؤثرات الخارجية هي في واقع الأمر تأثيرات ممزوجة بالحادثة الخارجية وتأويلنا لتلك الحادثة. ذلك هو الربط المعرفي، الربط الذي يجمع بين الحوادث والانفعالات في سلسلة من خبراتنا. فالجهاز المعرفي هو الذي يتوسط بين الحادثة الخارجية والانفعال الناتج.
هذه النظرية المعرفية صاحبها الفيلسوف الإغريقي ابقطيطس قبل ألفي سنة. حيث قال: "الذكور والإناث يشعرون بالاضطراب ليس نتيجة الأشياء، ولكن نتيجة نظرتهم التي يحملونها تجاه الأشياء". وجاء شكسبير في مسرحيته "هملت" فكتب فيها: "لا يوجد هناك شيء جيد وآخر سيء، ولكن التفكير هو الذي يجعل الشيء جيداً أو سيئاً". قد تبدو هذه النظرية أو الفلسفة غريبة لا منطقية لأول وهلة. فالشخص الذي يشتمني، أليست الشتيمة التي يُظهرها هي التي تخلق عندي عاطفة الكراهية نحوه؟ نقول: تستطيع إن أعدت تأطير هذا السلوك ونظرت إليه أو فسرته بطريقة أخرى لا تشعر بالكراهية نحوه. فلماذا إذا شتمك مجنون نزيل مستشفى الصحة النفسية لا يحدث عندك الكراهية والعدوان نحوه؟ الجواب: لأنك تفسر سلوكه هذا بكونه يصدر عن شخص غير عاقل، وغير مسؤول، يستحق الشفقة وليس القصاص، أليس كذلك؟ إذن الحادثة الخارجية "الشتم" لا تسبب لك الانزعاج والغضب، بل أنت الذي أغضبت ذاتك وخلقت في نفسك العدوان.
التأويل والتفسير هما المسببان للانفعال والعاطفة. هنا تكمن السيطرة على الانفعال أو تبديله. فالطريقة التي تفكر بها هي التي تخلق الانفعال سلبياً أم إيجابياً.
بكل بساطة نقول: إن معاينة التفكير الذي يؤثر على الانفعالات وهو صانعها هي خطوة مهمة على طريق يقود إلى السعادة، وحياة مفعمة بالصحة النفسية، فالأفكار السلبية يمكن تحديها ودحضها وتبديلها. وهذا بدوره يؤدي إلى مشاعر إيجابية.
اضافةتعليق
التعليقات