من أبهى المشاهد التي تُضيء القلب وتغمره بأمل متجدد ذلك الإقبال الطفولي العفوي نحو مجالس الإمام الحسين (عليه السلام) حيث تتهادى الخطى الصغيرة برقة نحو مجالس العزاء تحمل في أنفاسها براءة الفطرة وتستبطن في أرواحها حبًا لم تتعلمه بل وُلدت به.
نرى الأطفال يرفعون الرايات بأيدٍ ما زالت تتعلم الإمساك بالقلم ويرددون القصائد بقلوبٍ لم تعرف بعد تعقيد اللغة لكن عرفت سحر الحسين (عليه السلام) يوزعون الطعام كأنهم قد خُلقوا لخدمة هذا الطريق وكأن أرواحهم الصغيرة تعي أنها تنتمي لمجد لا يُختزل في تاريخ.
ومن بين التجارب التي لامست قلبي هذا العام كان ذلك الإصرار الجميل من ولدي حسين ابن السبع سنوات على حضور مجلس العزاء إلى جانب والده حضوره كان شغف حقيقي يتجلى في ملامحه في إنصاته في حماسه للحديث عمّا سمع بعد عودته إلى المنزل كان يحدّثني بتفاصيل القصص والمواعظ وكأنه يُعيد رسم الصور في خياله ويُسقطها على وعيه الناشئ.
القصص التي تُروى في تلك المجالس هي تجارب حقيقية ومواقف تنبض بالحياة تتغلغل في وعي الطفل وتؤسس لبنية أخلاقية وروحية تظل راسخة في شخصيته وتشكل معالم طريق سيكبر فيه يومًا ليحمل رسالة الإمام الحسين (عليه السلام)، إن الأطفال امتداد طبيعي للرسالة هم الذين سيحملون راية كربلاء في الغد فإذا لم تتشرب قلوبهم هذه القيم منذ نعومة أظفارهم سيكون من العسير أن تُغرس فيهم لاحقًا.
فمجالس العزاء في حقيقتها فضاء تربوي ووجداني يغرس في الطفل الولاء للإمام المعصوم ويهذّب في داخله معاني الصدق والشجاعة والإيثار ويؤصّل فيه حب أهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بسيرتهم ومواقفهم، في السنوات الأخيرة انتشرت مشاهد ومقاطع تُظهر مواكب الأطفال أو مجالسهم الصغيرة أو وقفاتهم في توزيع الطعام حبًا بالحسين (عليه السلام) وهذا له بعد تربوي عميق فهو تعزز ثقة الطفل بنفسه حين يُمنح دورًا حقيقيًا في الفعالية وتنمّي فيه مهارات التعبير حين يُتاح له إلقاء قصيدة أو كلمة وترسخ فيه روح الجماعة حين يتشارك الخدمة مع الآخرين وتجعل من العزاء تجربة حية تسكن وجدانه.
ورغم كل هذا الألق نلمح أحيانًا ممارسات بحاجة إلى مراجعة كأن يُعزل الأطفال في أماكن منفصلة دون إعداد برامج خاصّة تراعي احتياجاتهم فتكون النتيجة فقدانهم للارتباط الحقيقي بالمجلس وفي حالات كثيرة نجد أن الطفل يرغب في البقاء قرب والدته أو والده لا أن يُفصل عنهم قسرًا في مجلس لا يجد فيه مأوى روحيًا أو تواصليًا.
الناشئة هم الثمرة التي نغرسها اليوم وهم الحصاد الذي سيملأ الساحات غدًا وإذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) قد خرج من أجل الإصلاح فإن أصدق ما نقدمه في طريقه هو صناعة جيلٍ مُصلح جيلٍ يعرف سيد شباب أهل الجنة لا من باب العاطفة وحدها بل من باب الوعي والفهم والاقتداء جيلٍ إن حضر مجلسًا اليوم فغدًا قد يصعد منبره.
اضافةتعليق
التعليقات