في رحاب الإيمان الصادق والعطاء الحسيني المتجدد، أقامت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية بتاريخ 23/6/2025، الموافق لـ 20 ذو الحجة 1446هـ، ملتقى نوعيًا توعويًا تحت عنوان: "ملتقى مسؤولات خادمات المنبر"، وشهد حضورًا غفيرًا من خادمات سيد الشهداء وأهل البيت (عليهم السلام)، اللواتي اجتمعن على قلبٍ واحد وهدفٍ سامٍ: الارتقاء بخدمة الهيئات الحسينية الخاصة بعزاء أهل البيت (عليهم السلام) إلى مصافّ الكمال، بما يليق بعظمة هذه القضية المقدسة.
أدارت الملتقى الدكتورة مروة ناهض، حيث استعرضت بعض أحاديث ووصايا أهل البيت (عليهم السلام) في أهمية إتمام العمل بالمعرفة، ومنها وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد، حين قال:
"يا كُميل، ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة."
وبعد التحية والسلام، استُقبلت الأستاذة أم سيد مصطفى الشيرازي، لتُلقي محاضرتها القيّمة، حيث افتتحتها بقوله تعالى:
"الذين يُبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله، وكفى بالله حسيبًا"
(الأحزاب: 39)
ثم قالت: "من بين مليارات البشر، اختاركم الله لتكونوا من خَدَم سيد الشهداء، هذا الاسم العظيم، ومن يتعلق به يُصبح عظيمًا، وكل ما يُقدَّم في خدمته، مهما بلغ من العظمة، يظلّ قليلاً، فانظروا إلى هذه المعادلة: الخدمة عبادة، ليست أمرًا عاديًا كسائر الناس. أنتم سفراء الحسين (عليه السلام).
وأضافت:
"إن جنة الخادم في الدنيا والآخرة هي خدمة سيد الشهداء."
ثم طرحت تساؤلًا:
ما الفرق بين أشجار المدن وأشجار الغابات؟
وكان الجواب أن أشجار المدن قصيرة ومتوسطة، أما في الغابات فهي طويلة ويانعة.
ثم سألت: ما الذي خطر في أذهانكم؟
الجواب: أن أشجار الغابات تسعى للنور، فتتطاول لتعانقه.
ومن هنا نفهم: ينبغي ألّا يحدّنا شيء عن الخدمة، لنرى النور الحقيقي.
ثم تحدّثت عن أنماط الحركة لدى الشعوب:
حركة صعودية
حركة نزولية
حركة حلزونية (تنافسية)
وأشارت إلى أن كثرة الهيئات الحسينية ظاهرة إيجابية، ففي ذلك قال الله تعالى:
"فليتنافس المتنافسون"
(المطففين: 26)
لكن التنافس قد يكون إيجابيًا حين يكون هدفه الإخلاص والتطوير، وقد يتحوّل إلى تنافس سلبي إذا دخلت الأنانية والطمع في قلوب الخَدَم. فهناك طمع محمود في العبادة وزيارة أهل البيت (عليهم السلام)، وطمع مذموم في الدنيا والماديات.
وكذلك الأمر في الحرص:
منه حرص محمود على طلب العلم
وآخر مذموم يتّصل بالرياء أو حب الظهور.
ودعت إلى العمل بما قاله المعصومون (عليهم السلام) في تطوير العمل، وتنمية الفرق والكادر داخل الهيئات، ليكون مميزًا ومتطورًا عن العام الذي سبقه، وذلك لاستقطاب الفئة الشبابية.
كما أكدت على ضرورة تقديم دورات علمية طوال العام، تواكب ما يُعرض عبر الشاشات والبرامج، وليكن هناك تعاون دائم، لأن:
"يد الله مع الجماعة"،
"إنما المؤمنون إخوة"،
"وتعاونوا على البر والتقوى".
وشدّدت على أن يكون التخطيط والتعاون أساسًا في تقوية العمل، وأن تُعقد اجتماعات دورية بين الخادمات لتطوير الأداء، وتكوين رابطة أخوية تُضاف إلى المحبة والألفة بينهنّ.
ومن الجيد أن تمتد دروس الهيئة أو الحسينية على مدار العام، لا أن تقتصر على شهري محرم وصفر، وأن لا تكون العَبرة دون العِبرة، بل يُفضَّل طرح محاضرات متبوعة بدروس ثقافية، عقائدية، وعلمية.
مسؤوليتنا هي مسؤولية المُصلِح، ومن أهداف الحسين (عليه السلام) في خروجه، كما قال:
"إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي."
أما الأمر الأهم، فهو الإخلاص في العمل، فعدم الإخلاص يشبه مشي النملة: لا يُسمع له صوت ولا يُترك له أثر.
وإصلاح النية في الجوانح (السريرة) ينعكس على الجوارح (الظاهر)، فـ"نية المؤمن خير من عمله"، و"لكل امرئ ما نوى". فلنُراجع أنفسنا: هل نعمل للمدح؟ أم لله؟ ولندع الله أن لا يسلبنا هذه النعمة، ولنجعل عملنا هديةً للأئمة والملائكة والرسل أجمعين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وفي ختام الملتقى، أضافت الدكتورة مروة ناهض كلماتٍ لسماحة المرجع الأعلى دام ظله، من إحدى خطبه في استقبال شهر محرم، حيث قال:
"امتاز الإمام الحسين (عليه السلام) وتفرّد في كل شيء، ومن ذلك التفرد في الثواب والأجر العظيم الذي ادّخره الله لناصريه، وهذا لا يقتصر على من عاصره في زمنه، بل يشمل الزمان الحاضر، فمن نصره بخدمته وتعظيم شعائره، يُعامَل معاملةً خاصة، ويُثاب بثواب استثنائي من الربّ الجليل."
وبعد المداخلات القيّمة من الأخوات، اختُتِم الملتقى بـ دعاء الفرج.
وقد انعقد هذا الملتقى المبارك لتحقيق هدفين جوهريين:
تطوير أداء الخادمات بما يليق بمقام سيد الشهداء (عليه السلام).
الانتفاع الأمثل من القضية الحسينية في عمق الخدمة.
فالإيمان بأن الخدمة الحسينية مسار روحي يُنمّي الذات ويصقل الروح، كان هو الدافع لهذا اللقاء. لم يكن "ملتقى مسؤولات خدمة الحسين" مجرد تجمّع، بل كان محطة إيمانية تجددت فيها العهود، وتلاقت فيها الأرواح على محبة الحسين (عليه السلام).
خرجت الخادمات بوعي أعمق برسالة الخدمة، وأدركن أن كل جهد في هذا الطريق، هو خطوة نحو بناء مجتمع واعٍ ملتزم بقيم أهل البيت (عليهم السلام). ويُؤكد هذا الملتقى من جديد على الدور المحوري للمرأة في إحياء الشعائر الحسينية.
ومن الجدير بالذكر أن جمعية المودة والازدهار تستمر في إقامة مثل هذه الملتقيات، والمنتديات، والنشاطات الفاعلة، لتحقيق رسالتها في تنمية الوعي، وتجذير القيم الحسينية في النفوس والواقع.
اضافةتعليق
التعليقات