وردة طفلة صغيرة في بعض الأحيان أبقى في خيمة جدتي وأنام هناك، كثيرا ما أنا أحب أن أبقى عند جدتي خيمتها صغيرة جدا مليئ بالروائح الطيبة كرائحة الزيتون والزعتر، جدتي تحبني كثيرا حين أكون عندها تلاعبني طيلة النهار ألعب مع صديقتي ياسمين التي تعرفت عليها في الخيمة المجاورة لجدتي نلعب الغميضة والركض ونلعب بالكرة ونتسلق أشجار الزيتون ونتعثر في الركام والرصاص ونحفر التراب لنخبئ بعض احلامنا.
فكانت تحكي لي جدتي قصصا جميلة عن غزة ورفح ، وبيت القدس ، ومذكرات جدي في بيت لحم الخليل ، تعرف قصصا كثيرة و كل قصصها من يوميات الحرب فهي تحكي لي عن جدي وعمي وأبي حين كان صغيرا، كان صوت القصف يعلو على صوتها، تحتضني وتردد هذه لا تزعجنا يا جميلتي اعتدنا على سماعها منذ الصغر .
جدتي: لأنهم شياطين هذه الارض يرقصون ويطربون على جراحنا ، بهدوء وسكون، سيأتي يوم ويخرجون منها هذا وعد الله.
نفرح بعودة ارضنا ونرى أحلاما جميلة وملونة، لكن من يعود لنا بشهداء ورفاق الحرب، سينتهي كل شيء ويبقى الشيء الوحيد هو اسماء الشهداء والمفقودين وإصابات الجرحى شاهدة لتلك المجازر البشرية .
سيكتب التاريخ يا حفيدتي ان شعوب العرب كانت تقضي وقتها في متابعة البرامج وكتابة التعليق والحداد معها كلمة (ندين) نستنكر وبشدة..
بينما اولادنا تذبح وارضنا تغتصب، متى يعلمون اولادهم هناك على خارطة الزمن بقعة اسمها (غزة) صرخة وصلت الى عنان السماء اه يا غزة، اغمضت جفوني ويد جدتي تمسح بها على شعري، درجات الحرارة الهالكة لا نملك غير الهواء غير الصالح للتنفّس فكيف ينعش بين البعوض والذباب وأصوات القصف، والجوع والعطش وجع الوطن ننام في الخيام، أتساءلُ كيف سيكونُ شعورُ النهايةِ السعيدةِ لشخصٍ يسكن الخيام في وسط بلده، ويخذلَه الرفيق والصديق والعرب ، كيف يحسب معهم ومنهم وهو منعم بكل الرفاهية وغيره يقتل.
قضى عُمرَه مُرتجِفا وكيف من الجوع لا تتوقف رعشةِ اليدين ، تكسر رغيف الخبز اليابس وتجعله مع الماء الساخن ليكن مسخن فعلاُ، طبق من المسخن لكن هذه المرة على طريقة جدتي، تصنع لي لعبة من ورق ، اقترب صوت القصف احتضنت جدتي بقوة لم أشعر بشيء وبعد مدة مع أول صرخة من المسعف وجدت جدتي تحت الانقاض معها صديقتي ياسمين ولعبتي الورقة مع غصن من الزيتون، قطعت يدي وفقدت عيني اليمنى ، معصوبة الرأس ابحث في قائمة المفقودين عن أمي واخي اكرم، لا احد يعرف عنهم شيئاً جثث محترقة ملامح مشوهة واشلاء مبعثرة ابحث عن رأس أخي أو رائحة أمي ، ليس يوسف فقط من تركوه اخوته في البئر هناك ايضا شعب كامل تركوه في بئر الاحتلال يستنشق الرصاص والدم من دون ان يشم ريح العروبة ليعيد العزة لغزة وانما وضعوه في غياهب الجب ويكتبون ندين وبشدة ..
أودُّ أن أعيشَ هذه اللحظةَ ان انسى تلك الهموم والاحزان وأسأل سؤالا واحدا اين العرب ُ... العرب أين ؟ رفح مع مليون وربع من البشر تنتهي قصتهم قبل البداية.
اضافةتعليق
التعليقات