تمتلك الشركات العربية الصغيرة والكبيرة ومجتمع المؤثرين وصناع المحتوى نظرة محدودة حول التسويق، فهي تكاد تلتزم بحرفية ما جاء ببعض تعليمات التسويق البدائية وكأنها تمارس شعائر دينية، فلا تفكر في محاولة الخروج عن المحتوى الناجح لها، وتلتزم بتقديم مواد مشابهة له بغض النظر عما يدور حولها من أحداث.
فنجد أن شركة ملابس، أو مقهى ما، أو مؤثر في مجال التصوير مثلاً سيستمرون بنشر المحتوى ذاته لو احترق الكوكب بما عليه، لأنهم يعتقدون أن ذلك هو غاية وجودهم على مواقع التواصل، وهذا ما يقدمونه، ولا داعي للتغيير، فليس مثمراً أن تقتطع من وقتك، وأن تزعج متابعيك بمنشور حول الكوارث أو الحالات الإنسانية التي تجري حولك، ولذا من الأفضل نشر مقاطع بهيجة بأغانٍ عذبة، ورسم عالم الأحلام الوردي بعيداً عن أي اضطراب، لأنك تسوق لمنتج أو خدمة.
وهذا الخطأ جسيم "تسويقياً" يؤدي إلى خفض الأرباح وخفض التفاعل فوراً، لأن جمهور المستهلكين سيشعر بالانفصال عن النشاط التجاري، فستكونان بأودية مختلفة تماماً، وستبدو الجهود تسويقية آلية مجردة من دفء الإنسانية وهدفها الربح الفج.
يعتمد نجاح أي نشاط تجاري على مقدار قوة الآصرة المبنية بينه وبين المستهلكين، فلا نشاط تجاري ناجح دون مستهلك، وهذا المستهلك إنسان، لديه أحلام وأفكار وعواطف، وأنت بحاجة إلى مخاطبتها في كل أحوالها، في الأوقات الجيدة والأوقات السيئة، أنت بحاجة إلى إظهار جانبك الإنساني، وإشعار هذا المستهلك أن أولوياته أولوياتك، وما يهمه يهمك، وأنت ملزم تسويقياً قبل أن يكون أخلاقياً بـ "رد الجميل" لكل أولئك الذين لولاهم ما كان عملك ليستمر من خلال تفاعلك الإنساني، فإن تعرض لكارثة طبيعية أنت تعزيه، وربما تنشر منشورات توعوية حول التعامل مع الكارثة إن تكررت، أو ترعى ندوات للتعريف بالكارثة وأبعادها وطرق التعافي منها، أو تقدم تبرعات للجهة المتضررة، أو أي طريقة أخرى تجعلك فعالاً في مجتمعك.
تنشأ الأنشطة التجارية معتمدة على الموارد الطبيعية والبشرية للمجتمع المحلي، بالإضافة إلى المستهلك الذي يشكل أحد أهم حلقات اكتمال سلسلة نجاح هذا النشاط، ويقع على عاتق كل مستفيد منها مسؤولية المساهمة في المجتمع الذي يحتضنه ويقدم له عوامل النجاح، وهذا هو أيضاً أحد أنجح طريق التسويق المعروفة باسم "التسويق المجتمعي"، وما يعنيه ذلك ببساطة، كن من الناس، تفاعل مع همومهم، ساعدهم، ليساعدوك على رسم أحلامك، وهذا ما يجعل شركات الاتصالات ترعى برامج خاصة بالشباب، أو ما يجعل شركة أغذية ترفع الوعي عن القضايا البيئية على سبيل المثال.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال ركوب الموجة لتحقيق العوائد المادية فقط -سيعلم المستهلك ذلك فهو أذكى مما تتصور-، ولا يعني تعطيل النشاط التجاري أو تغيير اتجاهه بالكامل لدعم قضية من القضايا، بل ما يعنيه هو إظهار التعاطف، وإضفاء قيمة إنسانية على جوهر النشاط التجاري، وأن تكون أنتَ أولاً وقبل كل شيء إنسان، فما يمسهم، يمسك بالضرورة.
اضافةتعليق
التعليقات