تقف علامات التعجب بكل خجل رافعة يدها المبتورة الى أعلى شبهات الصمت، تشير إلى الأشخاص المقدمين على الإنتحار، لأن الحياة اثمن شيء وهبه الله للوجود، فكيف يستطيع الإنسان التخلي عن حياته بهذه البساطة؟، ما الذي يدور في رأس المنتحر آنذاك؟ وما السبب القوي الذي يدفعه لذلك؟ تظل هذه التساؤلات في طي الكتمان تحير المحيطون بالمنتحر، حيث يعتبر الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15و 29 عاما في الغرب.
ونلاحظ ارتفاع واضح في الإحصائيات التي تقدمها الدول الغربية كل عام، عن حالات الإنتحار، وتعتبر بولندا من الدول التي ترصد حالات إنتحار اكثر من غيرها، والأسباب التي يوضحها علماء النفس، هي غالباً ما تعود بالمرتبة الأولى الى الفقر الشديد وانخفاض الدخل العام، إضافة الى الأمراض النفسية وحالات اللإكتئاب، والأمراض النفسية تحتلّ المرتبة الثانية في مسبّبات الانتحار، ويعتبر الاكتئاب الشرارة الأولى في هذا المجال، إذ إن 50 في المئة من مرضى الاكتئاب يحاولون وضع حدّ لحياتهم ولو لمرة واحدة على الأقل، وأن 15 في المئة منهم ينجحون في الانتحار فعلياً.
ولعلّ الطامة الكبرى هي أن العديد من المصابين بالاكتئاب يخفون مشاعرهم ويتظاهرون بأنهم سعداء، لكنهم مع ذلك يعطون إشارات ورموزاً لحالة اليأس التي هم فيها، مثل «أتمنى أن أكون ميتاً»، و «هذا العالم سيكون أفضل من دوني»، و «قريباً سترتاحون مني»، وما شابه ذلك. أيضاً هناك تصرفات حديثة يجب أن تلفت الأنظار ولم تكن موجودة من قبل، مثل عدم الاكتراث، قلة الانتباه، والقيادة المتهوّرة وغيرها.
ولا يجب إغفال الأوضاع السياسية المضطربة في بعض البلدان، والتي تقود إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية والمهنية والتعليمية والثقافية التي تدفع البعض إلى الانتحار.
وهناك عوامل خطيرة شائعة يمكن أن تجعل صاحبها يفكر أو هو على الطريق في التفكير في وضع حدّ لحياته، من أهمها:
1- الإدمان على المشروبات الكحولية والمخدرات.
2- محاولة انتحار سابقة.
3- الأمراض النفسية.
4- وجود قصة عائلية للانتحار.
5- الإصابة بمرض عضال.
7- المعاناة من الألم المبرح.
8- العزلة الإجتماعية.
9- الإهتمام المفاجئ بالأسلحة النارية.
10- قصة عاطفية فاشلة.
11- وصمة عار إثر حادث اعتداء جنسي أو اغتصاب.
12- فقدان الشعور بالقيمة والهدف.
13- فقدان عزيز.
14- وجود بيئة مدرسية معادية.
15- إهمال العناية الشخصية والشكاوى من عوارض جسدية مستمرة.
16- المعاناة من اهمال الاهل والمعاملة السيئة من قبل الأفراد المحيطين به.
17_ ضعف الوازع الديني.
و على الرغم من أن العلاقة بين الانتحار والاضطرابات النفسية (خاصة الاكتئاب والاضطرابات الناجمة عن تعاطي الكحول) معلومة تماماً في البلدان المرتفعة الدخل، تبقى هذه الأسباب التي ذكرت دواعي واهية وغير كافية لتجعل الفرد يسلك طريقه الى التهلكة، اذ ان الله سبحانه وتعالى حرم الإنتحار _قتل النفس_ في جميع الكتب السماوية..
ويعتبر المنتحر كافر وخارج من رحمة الله ومصيره جهنم وبئس المصير، اذ ان هذه النفس التي قد اوتيناها ما هي الا ملك لله عز وجل قد اودعها أمانة عندنا لنستخدمها الى اجل مسمى وما اوتيناها لنعبث بها ونقضي عليها بايدينا.
فمن يعتقد بأنه سيتخلص من عذاب الدنيا بمجرد ان ينهي حياته فهو على خطأ، لأنه سيلاقي عذاباً يفوق عذاب الدنيا بآلاف المرات، فكيف يستطيع الانسان ان يقنط من رحمة ربه الواسعة ولا يتفاءل خيراً، والله تبارك وتعالى يقول على لسان نبيه الكريم يعقوب عليه السلام: "وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف/87).
وجميع الأعذار التي يقدمها علماء النفس للمنتحرين، من الظروف الصعبة، والفقر، والمرض، لا تساوي شيئاً امام السبب الأساسي الا وهو ضعف الإيمان، فالإنخراط الديني الذي نشاهده في الغرب هو الذي صنع حاجزاً صلباً في قلوب الناس في العالم الغربي، وبذلك أبعدهم عن رحمة الله ومنع شعاع الإيمان من ان ينور دروب حياتهم.
فالقرب الإلهي، هو المسلك الذي يقود الإنسان الى عالم من الطمأنينة والإستقرار الروحي، فإذا قارنّا الشرق الأوسط بالعالم الغربي، نلاحظ بأن الكوارث التي تحصل في الشرق لا تقارن بالعالم الغربي، ولكن مع كل هذه الكوارث والمصائب، نرى الشعب العربي يتحلى بالصبر والرضا، ويعود ذلك الى نسبة الإيمان في قلوب المسلمين.
كما ان هنالك اسباب عديدة تلعب دوراً كبيرا في حياة الغرب، فنرى انهم يعانون من التفكك الأسري والإجتماعي، اذ ان الشاب او الفتاة ما ان تبلغ السن القانوني (18) عليها ان تنفصل عن عائلتها وتستقل بحياتها في بيت آخر بعيد عن مرأى اهلها.. فنرى الكثير من الشباب والفتيات غير قادرين على الإستقلال في هذا العمر والانفاق على انفسهم فيلتجئون الى السرقة او الى مشاركة البيت مع أصدقائهم وهذا غالباً ما يؤدي الى مشاجرات تحصل بينهم، او الى المعاشرة المحرمّة.
كما ان احتواء الفرد تعتبر من النقاط الأساسية التي يتوجب الإلتفات اليها، فالعائلة يجب ان تحتوي الطفل، وتوفر له بيئة هادئة وسعيدة وما ان يصل الى فترة المراهقة، على الأم والأب ان يكونوا قريبين جداً منه، ويواجهوا معه جميع مشاكله ويحتووه بكل حنان ومودة.
اضافة الى التوعية والنصح التي يتوجب على المجتمع والأسرة ان يغرسوها في نفس الأفراد، والايجابية وحب الحياة عن طريق بث البرامج التثقيفية وتوسعة المناهج التربوية، وإدارة المنتديات التنموية وتوسعتها على المدارس والدور التعليمية.
ويلعب الدين دوراً اساسياً في توعية المجتمع وتثبيت الركائز الأساسية في نفوسهم، فالإيمان هو أصل الوجود، ومرآة الحياة، فلو بنينا الأسس الحياتية على ان كل شيء يحدث "بسبب ولسبب"، وادركنا ان التدخل الالهي لغاية معينة، لتعاملنا مع الظروف بعقلانية ورشد كبير.. وعرفنا ان الابتلاءات التي تصيبنا ما هي الاّ اختبارات من الله جل وعلا لصبرنا وقوة ايماننا.
فلو غرسنا حب الدين والعقيدة الصحيحة في نفوس اولادنا منذ الصغر، وجعلنا اثر الدين تأثيراً مستقيماً عليهم، لكان الرادع الاول عن فكرة الانتحار هو نور الايمان.
اضافةتعليق
التعليقات