في خضم الضياع والتشتت الذي بات ينهش في جسد الأمة ويصلبُ معتقداتها ومبادئها تحت مقصلة التريندات ومواقع التواصل الاجتماعي لتقع فريسة تحت أنياب عدوٍ لا يرحم شاهراً سيف سلب الهوية ودكَ كل الروادع الأخلاقية التي تُحيط بالأمة من الضمير والدين والمجتمع قد يتسلل خيطُ من اليأس المخلوط بالحزن والأذى لقلب المؤمن وهو يرى ما يؤول إليه الحال وقد يشعر بالعجز لهول ما يحدث فتراه يبحث عن ماءٍ معين يسقي صحراء روحه ويبثُ فيها الحياة ويشحذ همتها وعزيمتها بأن روح الإيمان أقوى من كل يأس وتيار.
وأن المؤمن الذي يتحرك بسلاح المعرفة كما قال المولى أمير المؤمنين لكميل رضوان الله عليه: ما من حركة إلا وأنت محتاجٌ فيها إلى معرفة ..
هذا مؤمن جبار لايُهزم ..
الكثير من التساؤلات والصور الضبابية التي صارت تُلوث الرؤيا لدينا وتطحن فينا روح الصبر والمثابرة تحتاج لأجوبه تُهدء روع الاستفهامات التي تُكدر صفو العيش وتمنحنا الاستقامة إن مالت بنا الخُطى ..
جمعية المودة والإزدهار للتنمية النسوية كانت في ضيافة مدينة العلم والعلماء مدينة سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (صلوات الله عليه) وفي زيارة لمنبع النور والعلم عند سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي (دام ظله)!
حيث كان الحديث هذه المرة بصبغة أجوبة لبعض الأسئلة التي طُرحت من قبلنا وأجاب عليها سماحته بعد ما أعطى مقدمة زاخرة بالعلم والمعرفة وأهم ما يحتاجه العمل وفق المنظور الإسلامي العلوي حيث إبتدأ كلامه بالآية الشريفة: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ).
مُشيراً سماحته إلى أنَّ كل حركة وكلُ تجمع وكل مسيرة تمر بأربعة مراحل وهي :
المرحلة الأولى: مرحلة التأسيس
المرحلة الثانية: مرحلة إثبات الذات
المرحلة الثالثة: مرحلة المنافسة
والمرحلة الرابعة: مرحلة التفوق ..
فيجب على كل تجمَّع أو حركة أنَّ تُقيَّم نشاطها على إمتداد الزمن على ضوء هذه المراحل الأربعة !
ففي المرحلة الأولى والتي هي مرحلة التأسيس يسأل الفرد نفسه هل أسَس مثلاً منظمة حقوقية أم لم يؤسس؟ هل أسس مدرسة، حوزة ، حُسينية وعملاً تجارياً يعود عليه بالنفع ولا يُحيل دون تحقيق طموحاته بسبب فقد المال أم لا ؟
على أساس ما سيكون الجواب سنعرف بأننا تجاوزنا المرحلة الأولى أم لا؟ فحينما يرتبط الأمر بالله تعالى يجب العمل وفق القاعدة المعروفة: خذ الغايات ودع المبادئ، فالمبادئ تتلاشى عند الحديث عن الرب .. والثمرات كلها تترتب على هذه المرحلة فكيف نتوقع أنَّ نُحقق الإنجازات على مستوى حقوق الشيعة حول العالم أجمع ونحن حتى مرحلة التأسيس لم نبدأها ولم نطوها؟
وتابع سماحته الحديث عن المرحلة الثانية: مرحلة إثبات الذات حيث قال بعد ما نُؤسس ونعبر هذه المرحلة فنحن أثبتنا الذات أيَ بمعنى أننا نملك الحضور في الساحة، ولكن إثبات الذات ينحى إلى طريقين الأول هو الطريق الشرعي والإيجابي والثاني هو السلبي والسيء ..
ومثال واضح على إثبات الذات بكلتا الصورتين نراه في قصة هابيل وقابيل، فـقابيل أراد أن يثبت ذاته على نحو سلبي بقتل أخيه بينما هابيل أثبت نفسه بالنحو الإيجابي، (فقدما قُرباناً فتُقبل من أحداهما ).
بهذه المعادلة نستطيع أن نزن مرحلة اثبات الذات هل فيها رياء هل فيها عُجب أو غرور أو تعالِي على الناس وإستعلاء واستبدادا بالرأي أو لا؟
فالفرد بإمكانه أن يطوي مرحلة التأسيس ويصل لمرحلة إثبات الذات ولكن كيف يُثبت ذاته هذا السؤال المهم؟
ثم ينتقل بعدها إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة المنافسة ففي خضم الامكانات الكبيرة هل هناك منافسة على الخير؟ مانقصده هو (فاستبقوا الخيرات) و(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
فالمنافسة شيءٌ جيد حسب الضوابط الشرعية وبشرطها وشروطها ..أن يتنافس الانسان في طريق الخير مع غيره وإنَّ لم يكن غيره فعليه أن يوجد غيره يتنافس معه !
فالمؤمن لابد أنَّ يُفكر في قيامته وقبره وجنته وناره وأن يُجاهد ويسعى بالسعي الحثيث حتى يتنافس بالخير ولا يستصغر من شأن ما يعمل كما في الرواية الشريفة: (تنزل المعونة على قدر المؤونة) و(ما رام امرءٍ أمراً إلا ناله أو دونه) و (وفي السماء رزقكم وما تُوعدون).
وتوقف عند تفاصيل المرحلة الرابعة وهي: التفوق قائلاً سماحته عادةً ما يقنع أغلب الناس بما لديهم فيتوقفون ولا يُجيدون الإنتقال من مرحلة الى أُخرى ! .. لماذا ؟
لأنَّ الانتقال من مرحلة إلى أخرى يحتاج لجهد جهيد وتخطيط وسعي وبحث عن البدائل باستمرار !
فالناس عادةً يصلون لمرحلة إثبات الذات ويتوقفون لكن الانسان الحكيم هو الذي يعرف ما أودع فيه الله جل وعلا من الطاقات، وما يُريد منه أنَّ يستنهض طاقاته ويفجرها باستمرار يُعاند فيه التوقف حتى يصل لمرحلة التفوق ولا يتوقف بل يتكامل ولا يتوقف مُعرَّجاً على القاعدة الذهبية التي كان يستشهدُ بها سماحة السيد الوالد (قدس سره) بقوله إنَّ الإنسان لابد له من التكامل المُستمر ولا يتوقف عند حدٍ معين في الأبعاد الأربعة: علماً، عملاً، تقوىً، أخلاقاً، وهذا ما أسماه بـالمربع الذهبي..
فالمؤمن يزدادُ علماً باستمرار والمحصلة الثقافية عنده في تزايد وفي هذا المجال هناك الكثير من الكُتب التي تعتبر كنزاً معرفياً لا ينضب مثل مرآة العقول للعلامة المجلسي (رضوان الله عليه)، ونهج البلاغة والصحيفة السجادية ورسالة الحقوق وغيرها.
وهكذا في خوفه من الله سبحانه وتعالى وإستحضاره لرقابته أكثر وفي الأخلاق الفاضلة وهكذا فالمؤمن يجاهد في زمانه ويزداد في سعة الصدر والحلم والصفح والصبر كلما تقدم في العمر وليس العكس، مُشيراً الى أنَّ الوالد (قدس سره) كان يستشهد في إنَّ الإنسان يسير في دروب العلا بدون توقف ولا تباطؤ بقوله تعالى: (وإنَّ الى ربك المنتهى).
فيقول مُستلهماً من الآية وليس مفسراً، اذا كان المُنتهى الى الرب والرب لا نهاية له أيَّ لا متناهي ليس بالنحو اللامتناهي لا يقفِ بل بنحو اللامتناهي المطلق !
ففي حدود دائرة الامكان يجب على المؤمن أنَّ يصعد ويستمر في الصعود حتى يصل لمدارج العُلا والسمو .
ثم بعد ذلك تطرق الى أهم طرق قياس مدى فعالية الأعمال ونجاحها في التأثير في المجتمع وهو التغذية الراجعة التي يتم من خلالها دراسة وتقييم العمل ومدى تأثيره كماً وكيفً.
وختم سماحته بالقول عوداً على بدء مادام قد أُسس عملكم على التقوى إستمروا بالعطاء والمزيد من الإنجاز إلى أن تصلوا لمرحلة يسمونها علماء الاجتماع الجدد (أن تُحدث فارقاً) على مستوى العراق والعالم .
أقول: كم يحتاج المؤمن من العلم والمعرفة والورع والاجتهاد والسعي حتى يكون رقماً يصنعُ فارقاً في هذا العالم كما يُريده المُرتقب لإقامة دولة العدل؟
اضافةتعليق
التعليقات