أتذكر في طفولتي حضرت مع والدتي حفلة زفاف إحدى قريباتنا وكانت حفلة بسيطة يحضرها المقربون والعروس ترتدي فستانها الأبيض الجميل، وفي نهاية الحفل طلبوا من النساء الحاضرات ارتداء حجاباتهن لأن العريس سيدخل لأخذ عروسه.
لغاية الآن أتذكر كيف دخل الزوج وكان جدا خجولا من نظرات من حوله ولم يرفع رأسه أبدا، وكيف ارتبكت العروس عندما رأته، وكان الحياء واضحا عليهما، واستوقفتني لحظة خروج العروسة، كانت كالأميرات وكان زوجها حريص على أن يخفي كل مفاتنها وعند خروجها كان ينظر من جميع الجهات خوفا على زوجته.
سألت والدتي لماذا ألبسها هذا الرداء، أجابتني: الفتاة ياابنتي كالجوهرة الثمينة التي يسعى صاحبها ليخبأها عن عيون الناظرين. وهو مايفعله الآن هذا الزوج اتجاه زوجته التي يعتبرها جوهرته الثمينة التي يسعى جاهدا ليخبئها عن أعين من حوله.
مرت السنين وتغيرت المعايير الأخلاقية أصبح الرجال يتسابقون لعرض مفاتن زوجاتهم بكل الطرق والأساليب ومات الحياء والاستحياء من الفتيات. تغيرت كثيراً الحياة وأصبحت خالية من التفاصيل وخالية من الذكريات ومجردة من المشاعر أصبحنا نعيش اللحظة من أجل التصوير وننسى كل التفاصيل التي تجمعنا بتلك اللحظة.
بات مجتمعنا هشا يركض خلف المظاهر الخارجية.. ويميل إلى الأمور المبهرجة أكثر من الجوهرية، وخلع شبابنا وبناتنا رداء التعليم والأخلاق وتبنوا رداءً بعيد كل البعد عن النشأة العربية والإسلامية من خلال إدخال ممارسات وتصرفات بعيدة كل البعد عن مجتمعنا الديني الأصيل.
فبات الخجل ضعف شخصية والحياء تخلف والستر عدم تطور وووو.. والكثير من الممارسات التي كانت أساس مجتمعنا أصبحت الآن في خانات العزل وينتقد كل من يتمسك بها.
قبل أيام خرجت مع عائلتي لأحد المقاهي في محافظة كربلاء المقدسة وكان المكان محترما ومخصصا للعوائل، دخلنا للمكان كان ولا يوجد به زبائن سوى فتاة على الأرجح مع زوجها وكان على مايبدو أنهم يحتفلون بعيد ميلاد أو ماشابه حسب مارسمته الأجواء، فقد كانت ترتدي فستانا أبيضا مع طرحة بيضاء وفي الطاولة كعكة وشموع وأجواء تدل على احتفال.
كان الحضور هم الفتاة مع الشاب وبنت ثالثة كنت أظنها صديقة الفتاة أو أختها ولكن اتضح أنها مصورة لتوثيق لحظات الإحتفال.
سألنا صاحب المقهى: هل المكان محجوز؟ قال: لا، تفضلوا، دخلنا وجلسنا.. بعد دقائق جاءت عائلة حسب مااظن أما ومعها بناتها وابنها بسن المراهقة جلسوا وثم جاءت عائلة أخرى مكونة من زوج وزوجته وأطفالهم وجلسوا.. وكانت عائلتي بها فتيات بعمر المراهقة وشباب بعمر الجامعة.
مازال الاثنين الزوج والزوجة يجهزون تحضيرات الاحتفال البسيطة، لغاية هنا الأمور ليست جيدة ولكن نستطيع التغاضي، بدأت الأمور تخرج عن سياق العادي وتجذب الانتباه عندما ابتدأت جلسة التصوير للاحتفال كانت الحركات التي تطلبها المصورة من الاثنين للتصوير حركات جدا جريئة ومبتذلة ولايجوز أن يمتثلوا لأوامر التصوير أمام مرأى الناس.
كانت تطلب من الزوج حمل زوجته لأخذ الصورة ومرة ثانية يعانقها عناقا حميميا ليتناسب مع الصورة وأخرى يرفعها ويدور وينزلون من السلم لتصوير اللحظة مع حركات رقص بسيطة لتوثيق هذه المناسبة، وهكذا من حركات ليس لها معنى وسط المحل ووسط هذا الخفير من الجمهور الذي حصل على دخول سينما بتذاكر مجانية..
الملفت بالأمر أن الجالسين معظمهم بين مستهزئ وبين الخجل من الحركات خاصة أنا أكرر أن المكان كان مخصصا للعوائل ونحن في محافظة مقدسة.. والذي اثار استغرابي أن الحاضرين بانت عليهم علامات الاستحياء والخجل أثناء النظر اليهم بينما لم تظهر على الزوج وزوجته أي علامات الخجل أو الاستيحاء التي باتت تنقرض في مجتمعنا..
يعترض شخص ويقول: لماذا نتدخل، حرية شخصية وماشابه من هذا الكلام المنمق!
لا ليست حرية شخصية لأنها خرجت من سياق الخاص إلى العام لعدة أسباب وأولها هذه الحركات غير الصحيحة ستجر بعدها الشباب المراهقين لتقليدها وهي بحد ذاتها حركات لا يسمح بها المجتمع.
والسبب الأهم أنهم في مكان عام، بعض العوائل لغاية الآن لا يسمحون للأطفال بمشاهدة المسلسلات التركية وهنا شاهد الأطفال مسلسلا مكسيكيا صورة وصوت.
أيضا ماذنب الشباب المراهقين ينظرون لهكذا مناظر تثير مشاعرهم وهم في سن حرج.
إن هذا الإجراء يجعلنا نتساءل عدة أسئلة ومنها؛
على مايبدو أن الاحتفال خاص جدا، إذن لماذا لم يعيشوا جمالية الاحتفال وخصوصيته وهم في بيوتهم أو في أماكن خاصة؟
هل كان الإحتفال من أجل الاحتفال أم من أجل التصوير؟
كيف تقبل الزوج أن يرقص مع زوجته أمام مرأى الجميع؟ وكان جميع الحضور غرباء ليس أقارب ولا أصدقاء؟
بعد أن كان الرجل يخجل من أهله عند دخوله على عروسه اليوم يرقص معها ويتصور بحركات مبتذلة وسط الناس ولا يأبه لنظرات من حوله، هل أصبح الشباب بلا غيرة أم غاب الاستحياء عن البنات؟
إن كانوا على نية الاحتفال الخاص بطريقة مختلفة كان الأجدر بهم حجز المقهى بالكامل للابتعاد عن عيون المتطفلين.
وفي الحديث عن المقهى إن صاحب المقهى تقع عليه المسؤولية الأكبر بإشاعة هكذا تصرفات دخيلة إما كان عليه أن يمنع هذا أو يفتح المقهى للعشاق، ليس للعوائل.
وكان الأحوط به أن يخصص مكان داخل المقهى منعزل لجلسات التصوير حتى يتخلص من هكذا مواقف.
أسئلة لم أجد لها تفسيرا سوى تفسير واحد هو هشاشة شبابنا وانصياعهم خلف تقليد حركات بعيدة كل البعد عن مجتمعنا وتقاليدنا.
أتمنى أن تصل رسالتي هذه إلى شبابنا وبناتنا في أن يجعلوا حياتهم الشخصية كتابا مسدودا لا أحد يستطيع الوصول إليه، وأن لا يقلدوا كل مايروه فلكل مجتمع تقاليده وأخلاقه.
وتصل الرسالة أيضا لأصحاب المقاهي والمطاعم أن ينتبهوا للحد من هكذا تصرفات دخيلة تعود بالصورة السلبية على المجتمع عامة وعلى سمعة المكان بصورة خاصة.
اضافةتعليق
التعليقات