عودةً بالذاكرة إلى المرحلة الثالثة، سألني أستاذي، أين تجدين نفسك في عشرين سنة من الآن؟ حسناً، لم أفكر كثيرا لأجيب، أجد نفسي امرأة كبيرة تجلس وحيدةً على كرسيها تقرأ كتابا ما من كتبها المتراكمة، قرب نافذتها حيث تدخل أشعة الشمس برفق لكي لا تزعج خلوتها هذه، أطفالها قد سارت بهم الحياة ليكتبوا قصة حياتهم بعيدا عنها.
سألتني أختي ذات السؤال قبل ثلاثة أيام وأجبت ذات الجواب، هذه هي رؤيتي لختام حياتي.
امرأة حققت كل ما حلمت به، لتصل للنقطة الأخيرة، للوحدة، أيعني هذا أني أخاف الوحدة؟
حسناً، لأعترف، أكبر مخاوفي أن أموت عجوزاً كبيرة وحيدة يتعاجز الجميع عن العناية بها.
يقولون أنك جاذب لأفكارك، أتمنى أن لا يعمل القانون مع فكرتي هذه، ف هي حقا مخيفة.
أعتقد أني أخاف هذا من صغري، اعتدت أن أرى جدة أمي وهي كبيرة عاجزة لا تستطيع التحرك من سريرها حتى، وكيف أن جميع بناتها وأولادها تمللوا من العناية بها، كأنها ليست ذاتها الأم التي ضحكت، لعبت وقرأت العديد من القصص لهم، غريبة هي الحياة!.
كيف نستطيع أن نزرع هذا الإحساس، إحساس الذل أقصد، لأقرب ناسنا، لمجرد أنهم أصبحوا أضعف منا قليلا.
عندما ماتت لم أرَ حزناً شديداً في عيون الحضور، رأيت نوعا من الإرتياح بين دموعهم المزيفة، أو دموع الإعتياد كانت ربما، اعتد حيوانا ما وستبكي فراقه.
لم أرَ نفس الأسى الذي رأيته في وجودهم يوم موت جدي، مات وهو بصحته نوعا ما، كنت في الخامسة عشر عند موتها، يومها خفت الموت عاجزة.. ما زلت أخاف ذلك لليوم وها قد بلغت الخامسة والعشرين، عشر سنين لم تكن كافية لمسح هذا الخوف مني، ربما لأن الحياة أثبتت لي ما رأيته في طفولتي.
أعذرهم حقا، أعذر كل من يرى العاجز عبئاً، سأحزن إن رأيت أن ابنتي تضيع نزهات مع صديقاتها أو موعد مع زوجها أو ربما فلماً مع أقربائنا لأجل أن تعتني بي، أن تعتني ب امرأة عجوزٍ كبيرة، سأعذر أن تكرهني للحظة عندما تضطر أن تعيد ذات الجملة مئة مرة كوني لم أعد أسمع، أن تضطر إلى غسل فراشي المليء بالقذارة مراراً وتكراراً لكوني لم أعد أعِ ما أفعل.
سأعذرها حقا إن شعرت في يوم موتي أنها ارتاحت، سأشعر ذات الشيئ ربما إن وكلت بمهمة كهذه. أدعو أن لا تجرني الأيام لهذا المصير.
اضافةتعليق
التعليقات