تعددت أوجه الفساد ومعانيها فأصبحت تُقابل الغش، السرقة، الاستغلال الإداري من ذوي السلطة وعرفت "منظمة الشفافية العالمية" مفهوم الفساد على أنه سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق المكاسب والمنافع الشخصية على حساب المصلحة والمنافع العامة.
شكل الفساد جزء لا يتجزأ في كثير من المنظومات الدولية والسياسية في البلدان العربية النامية ومنها العراق ونتيجةً لذلك صار هناك كثير من الانتهاكات والظلم والأذى.
فحددتْ منظمة الأمم المتحدة محاربةً لذلك يوم 9 من شهر ديسمبر سنوياً، هو اليوم العالمي لمكافحة الفساد بشتى أشكالهِ وأنواعهُ، كما وتُعقد نداوت ومؤتمرات دولية تُناقش هذه القضية المهمة التي بسببها يموت بل يُقتل آلاف وملايين البشر كل عام، فالذي يحصل في سوريا ولبنان والعراق وغيرها من الدول هو ليس سوى ضحية للفساد بكل مفاصلهِ وأساليبة.
أما قضية الهجرة وتحديداً هجرة الشباب عبر البحر من خلال القوارب والسفن الصغيرة التي جعلت الكثيرين يفقدون حياتهم غرقاً بحثاً عن الحياة نفسها يطالبون بعيشة كريمة بعيداً عن الحروب والمآسي والفقر، يتمنون فيها وظيفة وبيت ليكونوا عائلة وهذا يمكن تحقيقهُ في بلدانهم لو كانت تملك إدارة صحيحة وأمينة بعيدة عن الفساد والظلم والانتهاكات التي تحدث كل يوم وكل ساعة أمام أنظار الجميع.
انتشرت منذ مدة صورة لحقائب المهاجرين الذين لقوا حتفهم في البحر، والتي جُمعت ووُضعت في متحف إيطالي PortoM في جزيرة Lampedusa، و كتب عليها "لكلّ حقيبة حكاية".
ترى كم حكاية غرقت، وكم حلم شاب دُفن دون قبر ودون هوية، فهذا ما آلت عليهِ الحال في البلدان العربية.
جدير بالذكر عدم الاستهانة بأبسط التفاصيل في مجال عملك إن كنت ذوي سلطة كأن تكون مدير وتعامل مرؤوسيك بتمييز فلان عن غيره فإن هذا أحد أوجه الظلم الاداري أو موظف بسيط فتستغل حسن أخلاق مديرك فهذا يُعد استغلالاً وفساداً، أو في بيتك كأب تفضل أحد أبناءك عن الآخر فإن الفساد ملة واحدة -إن صح التعبير- فليس هناك فساد محظور وآخر محبوب، وليس هناك فساد ممنوع منعًا باتاً، وآخر باتَ ضرورة لتمرير مصالح معينة، لأنه بكل أشكاله معاملة لا أخلاقية تربط النتيجة بالمصلحة الشخصية فوق كل اعتبار، واستجابة للشهوة والغريزة فوق كل حساب وفي التذكير يقول الله تبارك وتعالى: "فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ".
فإن الله تعالى أودع في الإنسان جملة من الشهوات والغرائز والمشاعر والأحاسيس، ليعيش المرء مستمتعاً بحياته وأحواله، دون الإضرار بغيره من البشرِ، ولذلك لم يُترك له حرية التصرف وإطلاق العنان للشهوة والغريزة بل ضبطها الشارع وقيّدها وفق منظومة من الشرائع والأحكام التي تربّي النفس وتزكّيها وتبعدها عن الطمع والجشع والخوض في تجارب حيوانية من شأنها أن ترسخ مفهوم القوّة والغطرسة، وتقضي على كل قيمة عالية ومبدأ سامٍ.
ويعترف الإسلام بالشهوة ولكنه يضبطها، ويعترف بالغريزة ولكنه يقيّدها لأن إشباعها يتقارب مع مفهوم الحيوان وتقييدها وضبطها يتقارب مع مفهوم الإنسان، يقول الحق تبارك وتعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا".
مالم توجد روادع حقيقية وفعلية سيبقى الفساد ينخر المجتمعات من الداخل ويصيبها بالشلل اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً، ربما لا تظهر آثاره بسرعة، وقد يستمتع الراشي والمرتشي بالرشوة، ويتلذذ العاصي بالمعصية، وينتشي الظالم بما يقوم به من قهر للآخرين وحرمان من الحقوق وتعدٍّ على الممتلكات ولكنه لا يدري ما يخبّئه له القدر، وما يبتليه الله تعالى، وما يحصل له في قادم الأيام كما حصل لبقية الأمم، والقرآن كتاب يذكّر الناس بأن لا يقعوا في الفخ كما وقع سابقوهم من البشر أخيرا (كلُ ساقٍ سيُسقى بما سقى).
اضافةتعليق
التعليقات