للنظام الغذائي أهمية كبيرة في حياة الإنسان، 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 يوم الأغذية العالمي والذي يعجز فيه ما يقارب 40% من سكان العالم عن توفير غذاء صحي، وتشير تقديرات إلى أن ما بين 83 إلى 132 مليون شخص إضافي سيعانون من الجوع المزمن بسبب وباء كورونا وإذا ما استمرت الزيادة على هذا المعدل، فسوف يتجاوز الرقم 840 مليون بحلول عام 2030.
في وقت يفترض أن نتجاوز أزمة الأمن الغذائي نجد أن كارثة حقيقية محدقة بالكرة الأرضية تهدد الملايين بمجاعة مرعبة، هل هنالك حلول مرتقبة؟
وما هي الدول الأكثر عرضة لتلك الكارثة؟
مستقبل حزين
في خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها السنوي، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستنفق 10 مليار دولار لمكافحة الجوع في الداخل الأميركي والعالم، مضيفاً أن واحداً من بين كل ثلاثة أفراد حول العالم لا يحصلون على الغذاء الكافي.
مكافحة جائحة كورونا وظاهرة الاحتباس الحراري، إضافة إلى استمرار العديد من الأزمات والحروب في عدد من بلدان العالم، ملفات كبرى رسمت ملامح العقد القادم الذي وصفه الرئيس بايدن بـ "الحاسم" وطالب زعماء العالم بتحمل مسؤولياتهم اتجاهها.
وهي ملفات وإن كانت رئيسة ومتصلة ومتشابكة في أسبابها ونتائجها المدمرة، لاشك أن توقف رئيس أكبر دولة عظمى عند تنامي عدد الجياع في هذا العالم البائس هو الملفت والأبرز بينها، بما ينذر بالأسوأ القادم، سبق لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن أعلنت عن ارتفاع مؤشر الأسعار العالمية للسلع الغذائية الرئيسة إلى أعلى قيمة له منذ عقد من الزمان، كما لا تنفك هذه المنظمة وسائر المنظمات الدولية المعنية عن إصدار تقاريرها الشهرية أو الدورية التي تشير باستمرار إلى ازدياد التضخم الغذائي حول العالم وازدياد عدد الجياع المضطرد.
بات الحديث عن الارتفاع شبه اليومي لأسعار السلع الغذائية الذي يثير ذهول العامة وعدم تصديقهم لسرعة هذا التدهور، حديث الساعة والهم الوحيد المستوطن والثقيل والمؤرق والدافع إلى مزيد من الاحساس بالسوداوية العامة، مع عدم توفر بصيص أمل بانفراج قريب في هذا الصدد، حتى بات اليوم بالنسبة لليائسين الكثر، أفضل من مجيء الغد الذي سيحمل معه الأسوأ حتماً.
الرقم الذي أشار له الرئيس الأميركي عن أن واحداً من بين كل ثلاثة أفراد لا يحصلون على الغذاء الكافي هو احصائية عالمية وعامة بالتأكيد، لكن واقع الأمر يشير في بعض الحالات الخاصة على أن الثلاثة لا يحصلون على الغذاء الكافي، إذ تخلت كثير من الأسر عن وجبتين من وجباتها اليومية الثلاث، فيما لا تتعدى وجبتهم الوحيدة أحيانا الخبز الحاف والجاف.
كل ماتقدم يشي بمستقبل حزين يتعلق بأجيال قادمة سيئة الحظ ستنمو في ظل مثل هذه الحقائق والمعطيات أجيال لن تنعم بالأطايب التي تنعمت بها الأجيال السابقة، ولن تحظى حتى بطعم الأساسيات الغذائية مما يعني أن السنوات القادمة ستحفل بحالات سوء التغذية العامة وما تتسبب به من علل وأمراض بدنية خطيرة وتشوهات خلقية، وقد بدأت مثل هذه الدلائل المؤسفة تظهر منذ الآن.
يمكننا أن نقر أن العديد من الأسباب، في مقدمها التغير المناخي والحروب وارتفاع أجور النقل وهجرة الريف وعدم تنميته، أسباب مثبتة ويمكن معالجتها ببعض الارادة والصبر والتخطيط لكن الأسباب الحقيقية التي تتخفى وراء هذا التجويع هي تلك المتعلقة بفساد الحكومات وسوء إدارتها للأزمات، بل والتسبب في تفاقمها في العديد من الدول.
هل كوكب الأرض مقبل على مجاعة عالمية؟
تشير التقديرات إلى أن ما بين 83 إلى 132 مليون شخص إضافي سيعانون من الجوع المزمن بسبب وباء كورونا وإذا ما استمرت الزيادة على هذا المعدل، فسوف يتجاوز الرقم 840 مليون بحلول عام 2030، وجّهت أكثر من ٢٥٠ منظمة (غير حكومية)، رسالة مفتوحة إلى جميع الحكومات وقادة منظمات المجتمع المدني تدعوهم فيها إلى زيادة حجم المساعدات الإنسانية على نحو عاجل، وناشدت الرسالة جميع القادة والحكومات والجهات المسؤولة إنقاذ ما يزيد على 34 مليون شخص مِن خطر المجاعة هذا العام، وذلك مِن ضمن 270 مليون شخص يواجهون الجوع على مستوى العالم.
ودعت المنظمات - في رسالتها- الجميع إلى تحمّل مسؤولياتهم كاملة واتخاذ الإجراءات اللازمة فوراً، مِن أجل وضع حدٍّ للجوع والمجاعات التي عُدّت أنها "نتاج لأفعال البشر"، من جانبها أصدرت منظمة "أوكسفام" الخيرية البريطانية وغيرها من المنظمات الإنسانية، بياناً مشتركاً قالت فيه "بعد مرور سنة من تحذير الأمم المتحدة مِن مجاعات ذات أبعاد كارثية، بلغت نسبة مساهمات الجهات المانحة الثرية في التمويل 5% فقط، من المبلغ المطلوب لتمويل الأمن الغذائي والذي يبلغ 7.8 مليارات دولار لعام 2021".
ووفق تقديرات سابقة للأمم المتحدة فإنّ 270 مليون شخص يتوجهون لمستويات عالية أو خطيرة من الجوع، وقد بلغت أعداد مَن وصل بالفعل إلى هذه المستويات 174 مليوناً موزعين في 58 بلداً مختلفاً، حيث يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية أو نقص الطعام، وبيّنت المنظمات أنّ أسعار الطعام تشهد أعلى معدلاتها على مستوى العالم، منذ 7 سنوات مضت، حيث يعدّ النزاع المحرك الأكبر لأزمة الغذاء العالمية الراهنة، والتي تفاقمت أيضاً بسبب التغير المناخي وجائحة فيروس كورونا.
لا تزال دول أفريقيا جنوب الصحراء، المنطقة التي تسجل أعلى معدل لانتشار نقص التغذية، وقد حذرت الأمم المتحدة من أن الصومال ونيجيريا واليمن على حافة المجاعة وجاء ذلك التحذير بعد يوم من إعلان دولة جنوب السودان كدولة تعيش مجاعة، ويشدد المتتبعون على التنبيه لخطر مواجهة اليمن لأسوأ مجاعة عرفها العالم منذ عقود نظراً لكون 80 بالمئة من السكان بحاجة لمساعدة أو حماية.
وهنالك ما يطلق عليه المجاعة المتنقلة في الدول العربية بدءًا من اليمن والصومال وخطر ذلك على بلدان عربية أخرى، كالعراق وسوريا ولبنان والسودان، مهددة أخرى مهددة بزيادة مستويات الجوع الحاد، وإذا لم تتخذ إجراءات عاجلة قد يؤدي ذلك لخسارة ملايين الأرواح ما لم يتم القيام بتحرّك فوري.
مستقبل أغذيتنا بين أيدينا
مصطلح "النظام الغذائي والزراعي" مصطلح يلفه التعقيد وقد يبدو على أنه لا يمت لواقعك بصلة، ولكن هل تعلم أن حياتنا تتوقف عليه؟ فأنت، في كلّ مرة تتناول فيها غذاءً، تشارك في هذا النظام كما أن الأغذية التي يقع عليها اختيارنا والطريقة التي نقوم بواسطتها بإنتاج الأغذية وتحضيرها وطبخها وتخزينها، كلّها أمور تجعلنا جزءًا نشطًا ولا يتجزأ من الكيفية التي يعمل بها النظام الغذائي والزراعي.
والنظام الغذائي والزراعي المتسم بالاستدامة هو نظام يتمتع فيه الجميع بمجموعة متنوعة من الأغذية المغذية والآمنة بكميات كافية وأسعار معقولة، ولا يتضور فيه أحد جوعًا أو لا يعاني فيه من أي شكل من أشكال سوء التغذية. وهو نظام تكون فيه رفوف الأسواق المحلية أو محلات الأغذية مليئة بالمنتجات، وتتعرض فيه بالرغم من ذلك كميات أقل من الأغذية للهدر، وتكون فيه سلسلة الإمدادات الغذائية أكثر قدرة على الصمود في وجه الصدمات، من قبيل الأحوال الجوية القصوى أو ارتفاع الأسعار أو الجائحات، مع الحد في الوقت ذاته من التدهور البيئي أو تغير المناخ بدلًا من أن مفاقمتهما. وكمزارع، يمكن أن يعني ذلك أنه بمقدروك بكل سهولة بيع منتجاتك بسعر منصف أو الحصول على ما يلزم من تمويل وتكنولوجيا وتدريب لتحسين ممارسات الإنتاج التي تعتمدها وكسب رزق يتيح لك حياة أفضل وواقع الأمر أن النظام الزراعي والغذائي المستدام يعني إنتاجًا أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل للجميع.
حياة أفضل
توفر النظم الغذائية والزراعية، أكثر من أي قطاع اقتصادي آخر، فرص عمل لمليار شخص في مختلف ربوع العالم وبالإضافة إلى ذلك، فإن الطريقة التي نقوم بواسطتها بإنتاج الأغذية واستهلاكها، وللأسف، هدرها تتسبب في تكبد خسائر جسمية تطال كوكبنا، ممّا يُعرض الموارد الطبيعية والبيئة والمناخ لضغط نحن في غنى عنه.
وغالبًا ما يؤدي إنتاج الأغذية إلى تدهور الموائل الطبيعية أو تدميرها ويسهم في انقراض الأنواع وإن انعدام الكفاءة هذا يكلفنا تريليونات الدولارات، ولكن الأهم من هذا وذاك هو أن النظم الغذائية والزراعية اليوم ترفع الستار عن أوجه عدم مساواة وإجحاف مستفحلة في مجتمعنا العالمي، ففي الوقت الذي يتواصل فيه ارتفاع مستويات الوزن الزائد والسمنة في مختلف أرجاء العالم، يتعذر على ثلاثة مليارات من الأشخاص تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية.
وأماطت جائحة كوفيد-19 اللثام عن مدى الحاجة إلى إجراء تغيير عاجل في الطريق الذي نسلكه فقد بات من الأصعب بالنسبة إلى المزارعين - الذين يعانون الأمرّين أصلًا من تقلبات المناخ والظواهر القصوى – بيع محاصيلهم، في الوقت الذي يضطر فيه عدد أكبر من سكان المدن اللجوء إلى بنوك الأغذية جراء تزايد مستوى الفقر، ويحتاج فيه ملايين الأشخاص إلى مساعدات غذائية طارئة ونحن بحاجة إلى نظم غذائية وزراعية مستدامة قادرة على توفير ما يلزم من أغذية لما يصل إلى 10 مليارات شخص بحلول عام 2050.
حلول
ثمة حلول ويتعين على الحكومات إعادة توجيه السياسات التي عفا عنها الزمن واعتماد سياسات جديدة تؤدي إلى تعزيز الإنتاج المستدام للأغذية المغذية الميسورة الكلفة وزيادة مشاركة المزارعين وينبغي للسياسات النهوض بالمساواة والتعلّم، وتحفيز الابتكار، وزيادة الدخل الريفي، وإتاحة شبكات أمان لأصحاب الحيازات الصغيرة، وبناء القدرة على الصمود أمام تغير المناخ، كما يتعين عليها مراعاة الروابط المتعددة القائمة بين المجالات التي تؤثر على النظم الغذائية، بما فيها التعليم والصحة والطاقة والحماية الاجتماعية والتمويل وغير ذلك، وجعل الحلول المتاحة متلائمة فيما بينها كما ينبغي دعمها عن طريق زيادة الاستثمارات المسؤولة على نحو كبير وتوفير دعم قوي للحد من الانعكاسات البيئية والاجتماعية الوخيمة في مختلف القطاعات، خاصة القطاع الخاص والمجتمع المدني والباحثين والأوساط الأكاديمية.
إن العمل الجماعي في 150 بلدًا هو ما يجعل يوم الأغذية العالمي أحد أكثر الأيام احتفاء به في تقويم الأمم المتحدة فمئات المناسبات وأنشطة التوعية تجمع بين الحكومات والشركات والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام وعامة الناس وهي تعزز الوعي والعمل في جميع أنحاء العالم من أجل أولئك الذين يعانون من الجوع ومن أجل الحاجة إلى ضمان أنماط غذائية صحية للجميع.
اضافةتعليق
التعليقات