ما بين ضجيج الاصوات وجسد متكاسل وما بين حقن مزمنة واصوات دعاء مؤمنة خارج حجرة تفصل ما بين الحياة والممات خط واحد ..
روتيني هو ذا كل يوم ها هي السديات تتسارع من امام ناظري لكن لاح لي صوت فيه من الالم مايخرج نغما حزينا او هو قيثارة الالم بحد ذاتها ترتل دعاء لم اتخيل يوما اني اسمعه، استدرت نحو الصوت واذا بامرأة ترتل دعاء ضد ابنائها تطلب الاله بمعاقبتهم وهل يا ترى هناك أُم تفعل هذا وهم يطأطئون رؤوسهم..
بادرتني صور كثيرة هل يا ترى وهل.....
راودتني افكار كثيرة حول ذلك فمن المستحيل او هو اشبه بالخيال ان تدعو أُم على اولادها .
اقتربت منهم اكثر، بادرت بالمساعدة لهم، اسعفناها وذهبنا بها الى غرفة العمليات، تتسارع ضربات قلوبهم، يمكنني تمييز القلق الكبير داخلهم، اردت معرفة ما الذي حصل لكن تبقى البيوت اسرار .
اسمع انفاسهم المتقاطعة وخطواتهم المتثاقلة ولحظات صمتهم ما قبل الانهيار، ثم جاء خبر رحيلها نحو السماء بل انقطاع امل الغفران.
صرخات دوَّت في قلوب توقفت، اما انا فكل ما تبادر في ذهني عودة شريط الذاكرة حيث دعائها لله بحرقة قلب، يا إلهي ماذا سيحل بهم وقد قطع وتين الرحمة من الإله.. ربما هي رسالة لي؛ امي، نعم انا على خلاف مع امي، هرولت مسرعا فجم ما يسيطر على افكاري الان ان التحق برسائل الغفران، ثم فجأة شعرت بأن النور قد قطع لا اعرف اين انا لكني اميز نور امي في نهاية الممر، اسرعت نحوها وقدماي تكاد توقعني لثقلها، لما هي مغمضة العينين، امي هل تسمعينني، امي، صرخت، لكنها لا تجيب يا إلهي تأخرت على غفران السماء، امي ارجوك اجيبيني فما عاد قلبي يطيق صبرا لصمتك.. ومن لاشعور ايقنت انها ما عادت تسمعني، وقد فاتني الوقت وما عادت تنفع ليت ويا ليت، امي رحمة السماء قد غادرت، سأدرك مصير من رأيتهم صباحا، استلقيت على يديها لأستنشق لآخر مرة رائحتها الأشبه بعبق الياسمين، امي انا اعتذر واعلم انه لا كلام سيفي لمسامحتي بعد اهانتك بسبب حب من لم تطق صبرا على تحملك، اعتذر لكوني من بين سلسة زهورك ان اكون العاق، اعتذر كوني برهنت ان لا وفاء لمن وهبتهم الحياة.
اغمضت جفنَي، شعرت ببرودة يد تربت على رأسي، هل انا في حلم، انها كبرودة يد امي حين كانت تقص لي حكايات المساء لأنام بأمان، لأجازيها اليوم بعقوقي واي جزاء هو غضب الاله علي، ثم امطرت على مسامعي تراتيل نغمٍ رنان وصوت طرب اجتاح اساور الحنان، لأفتح عيني واجدها تقف الى جانبي ودموعها تسيل على وجنتيها لتهل عليّ بالسلامة يا بني .
ويقول الطبيب: لولا دعاء امك لما نجوت من هذا الحادث .
الحمد لله يا ربي انه كان محض حادث، لوهلة كنت احضر جنازة امي، قبلت يديها طالبا الرضا وجل ما قالته: هل هناك ام تغضب على ولدها..
وقد تعلمت من درسي، واما الان فما عدت انتظر الاوراق لكي تتغير الوانها ولا تبهت حروفها ما عدت اتمهل او أؤجل غفران امي لأجل اي شخص .
ففي لحظات الوداع تمتلئ الاعين بالدموع وتنهمر براكين الاسى ولا متسع للندم ويبقى وتين الحياة هو الام..
كذالك امرنا الله عز وجل ببر الوالدين واطاعتهما، (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)[الإسراء:23]
فحتى السماء تغضب لغضبهما حيث اوصانا الرسول وحذرنا من عقوق الوالدين .
وعن الامام زين العابدين عليه السلام: (اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف و أبرهما بر الأم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالدي وبري بهما اقر لعيني من رقدة الوسنان، واثلج لصدري من شربة الظمآن حتى أوأثر على هواي هواهما، واقدم على رضاي رضاهما، واستكثر برهما بي وان قل واستقل بري بهما وان كثر).
فمن الذي يقرأ هذا القول ولا يترك في نفسه أعمق الآثار، يهابهما هيبة السلطان العسوف مع مخالطته لهما ودنوه منهما و علمه برأفتهما، انها هيبة التعظيم و التوقير لاهيبة الخوف من الحساب و العقاب انها هيبة الوالدين التي لا يقدرها الا العارفون..
اضافةتعليق
التعليقات