تمر الأيام سريعًا والناس هائمون في مسرح الحياة كسرب الطيور الذي يتنقل بحثًا عن طعام، فيسقط فجأة ليكون طعامًا لصياد ماهر يلتقطه بسرعة كسرعة البرق..
هكذا تمر الأيام بالإنسان وهو لاهٍ بالبحث عن ملذاته فإذا به فجأة ينتهي عمره المحدود مهما طال لينتقل لعالم يرسمه بيده بما يسير به في عالمه هذا، وهكذا يشير الأمير علي عليه السلام في قوله: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"...
فها هو الموت قد حصد أرواحًا وغابت عن دنيا فانية فهل تنبه الإنسان ووعى أن هذا العمر بلحظة يفنى، هل تنبه لضعفه وقلة حيلته إن اشتد به مرض وعجز عن معالجته..
وإذا به فجأة يرحل فما الزاد الذي أخذه معه لرحلة السنين فيها طويلة لا تعد. "بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى".
ما المتاع الذي يحتاجه في هذه الرحلة؟ هل يحمل معه أكلاً أو يأخذ معه مالاً أو ملبساً؟
هذه رحلة مختلفة ومحتومة ومحطاتها تختلف فزادها مختلف عن كل الرحلات.
هناك من وعى وحمل معه ما يحتاجه من متاع، وآخر رحل دون زاد وما أكثر من مضوا بهذه الرحلة دون زاد لقلة معرفتهم وجهلهم وعنادهم الذي منعهم من حمل ما يقيهم من أذى هذه الرحلة الشاقة..
ضلّ أقوام بعنادهم وجهلهم فخسروا الخسران المبين إذ صاروا كالأنعام همها علفها بل هم أضل، لأن الأنعام تنزجر بزجر راعيها، وهؤلاء لم يأخذوا بقول من يرعاهم ويلطف بهم ولم يمتثلوا أمره، هكذا وصفهم الإمام الحسن عليه السلام بقوله: "إنّ الشّاة أعقل من أكثر النّاس، تنزجر بصياح الرّاعي عن هواها، والانسان لا ينزجر بأوامر الله وكتبه ورسله". المصدر: جلاء القلوب.
أرسل الخالق إليهم الرسل والكتب وبيّن ونصح لهم عن طريق رسله ولم يسمعوا ولم يتعظوا، عاندوا وركنوا إلى هواهم فضلوا ضلالا بعيدا..
فكم عانى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لينتشلهم من واقعهم وكيف أعزهم بعد هوانهم ثم لم يُراعوا حرمته في أهل بيته الذين أوصى بهم.
فخذلوا الحسن عليه السلام وأخوه، نادوهم لاتباع الحق فتهاونوا عن الحق واتبعوا الهوى، آثر الإمام الحسن عليه السلام الحفاظ عليهم وليلقي الحجة على الجميع وقع عهداً مع معاوية يُلزمه بتسليم الأمر لهم وباتخاذ الحق سبيلا فلم يلتزم معاوية بشرط من الشروط بعد توقيعه عليها، وبذلك ألزمهم الإمام الحسن عليه السلام بتوضيحه سبيل الحق، ووجوب نصرة الإمام الحسين عليه السلام الذي ثار بوجه الظلم فخذلوهم أغلب الناس باتباع أهوائهم، واختاروا ميتة وضيعة.
وقد بيّن الامام الحسن عليه السلام رداءة التعلق بحياة فانية وبماديات زائلة.. ثم إنّ كل النعم فهي بيد كريم حكيم يختبر عباده بها ويلطف بهم..
فهذه الشاة تشكر لراعيها مداراته لها ورعايته فتمتثل لأمره، بينما الإنسان الذي حباه تعالى بالعقل فغفل عما يتمتع به من ميزات خصه بها تعالى وكرمه وسخر الكون بخدمته فلم يشكر ولم يستمع لقول مولاه.
فإذا به بلحظة يخسر كل ما يتمتع به حين يحين الوقت فيعود خالياً إن زاغ عن الحق ولم يسير بما أراد له راعيه.
فإنك ميت ميت فهل تختار أن تموت دون أن تتزود فتمضي خاسراً كل شيء، أم تموت وأنت قد قدرت نفسك فلم تبعها لدنيا فانية..
اضافةتعليق
التعليقات