تزامناً مع أيام النصف من شعبان وميلاد صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، أقامت جمعية المودة والإزدهار ورشة إلكترونية بعنوان «التربية المهدوية، لماذا وكيف؟» قدمتها الأُستاذة فاطمة مرتضى معاش، المتخصصة في علم النفس وباحثة وكاتبة في نهج البلاغة، وذلك في تاريخ 11 شعبان الهجرية، الموافق 10 من شهر فبراير 2024 الميلادي.
بدأت الأُستاذة فاطمة معاش حديثها بتوضيح رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا». ثم بينت معنى السفساف والذي يُشير إلى الأمور الحقيرة والرديئة، في حين أن المَعْلاة هو جمع المعالي ويعني كسب الشرف والرفعة.
انتقلت الأُستاذة إلى ربط هذا البحث مع التربية، مشيرة إلى أنه في عالم التربية مع أبنائنا، يمكننا تحديد أهدافنا ضمن نطاقين مختلفين:
النطاق الأول هو أن نكتفي بأقل الأمور، حيث نكتفي العناية بالطفولة العادية والروتينية، مثل الاهتمام بالطعام والملبس والموارد الأساسية للطفل. وهذا ما نطلق عليه "السفساف" في التربية، أما في النطاق الثاني، نستطيع السعي نحو الأهداف العليا في التربية، فيمكننا أن نربي أبناءنا بطريقة ترضي الله سبحانه وتعالى، مثل تربية فكرهم وروحهم بنهج مهدوي كجزء من عملية الانتظار، وهذا ما نعنيه بـ "المعالي" في التربية، يتعين على كل إنسان مسلم شيعي أن يرفع من مستوى أهدافه في الحياة، وألا يكتفي بالظواهر والسفاسف، خصوصًا أنه يتبع أهل البيت (عليهم السلام). فآل البيت (عليهم السلام) هم عظماء، ومن ينتسب إليهم يجب أن يسعى للتقرب إلى نبع العظمة.
ولكن عندما نقول التربية المهدوية ماذا نقصد بذلك؟
هناك تعاريف متعددة لهذا الاصطلاح منها:
التعريف الأول: الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) هو الإنسان الكامل الذي تجسدت فيه جميع الاستعدادات والطاقات البشرية في أرقى مستوياتها. والتربية المهدوية تعني توفير الظروف المناسبة لتنمية هذه الاستعدادات والطاقات البشرية، مع اتخاذه (عليه السلام) قدوةً ومثالاً يُحتذى به.
التعريف الثاني: الانتظار هو من العمليات الأساسية في عصر غيبة صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف). يتميز الإنسان المنتظر بصفات حميدة، وتربية الأولاد للتحلي هذه الصفات تُعرف بالتربية المهدوية.
التعريف الثالث: تربية الطفل ليصبح ناصراً لصاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) أو أحد أصحابه. يتضمن هذا التعريف غرس القيم والمبادئ التي تجعل من الطفل شخصية مؤمنة وقوية، تساند الإمام في تحقيق أهدافه والمبادئ التي يدعو إليها.
وحسب الروايات الشريفة، يمكن للأم اليوم مواجهة جميع التحديات التي تطرأ في المجتمع، وتربية أطفالها وفقاً للتربية المهدوية لتحقيق مستقبل مشرق. وقد تم تقديم تحليلات للروايات الموجودة في هذا المجال لدعم هذا الرأي.
ولكن كيف يمكننا أن نصل الى الهدف الذي يعني بتربية أطفال مهدويين؟
لتحقيق التربية المتوازنة والصحيحة، يجب مراعاة التوازن بين أربعة أبعاد أساسية في شخصية الإنسان:
1- البعد الجسمي: فهو البعد المادي الذي نراه بالعين المجردة.
2- البعد الروحي: فهو البعد الذي يخص مشاعر الانسان وما يحبه ويبغضه.
3- البعد المعنوي: فهو البعد الذي يخص علاقتنا بالله سبحانه وتعالى وأهل البيت (عليهم السلام) واحتياجنا للدين.
4- البعد الاجتماعي: فهو البعد الذي يخص علاقة الانسان مع والديه وأرحامه وأصدقاءه والمجتمع الذي يعيش فيه.
إذا أردنا أن تسير حياتنا بشكل صحيح، يجب أن نعمل على تحقيق التوازن بين هذه الأبعاد الأربعة، ونسعى لتربية أطفالنا بناءً على هذا التوازن، في التربية المهدوية، يجب أيضًا مراعاة هذه الأبعاد لتحقيق النتائج المرجوة.
وأعطت بعض الأمثلة لتوضيح هذه الفكرة أكثر، وذكرت أنه كثير من الأبحاث العلمية والدورات تهتم بالأبعاد التي تم ذكرها، ولكن القليل منهم يولي اهتمامًا كافيًا للبعد المعنوي، لهذا سيكون التركيز في هذه الورشة على تربية البعد المعنوي لدى الطفل، حيث يتم الحديث عن الأبعاد الأخرى بشكل أكثر في المجتمع. لكن البعد المعنوي يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة.
يمكن تلخيص الاهتمام بالبعد المعنوي في التربية المهدوية في نقطتين أساسيتين:
النقطة الأولى: معرفة الإمام صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف)، فعن الامام الحسن العسكري (عليه السلام):« لَيَغِيبَنَّ غَيْبَةً لَا يَنْجُو فِيهَا مِنَ الْهَلَكَةِ إِلَّا مَنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ عَزَّوجَلَّ عَلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ وَوَفَّقَهُ فِيهَا لِلدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ فَرَجِهِ»[1]، الشخص الذي يعرف إمام زمانه يكون ثابتًا على الإيمان بإمامته. لذا، فإن معرفة صاحب الزمان هي عملية يجب أن نعمل عليها في التربية، ليترسخ هذا المفهوم في ذهن الطفل منذ صغره.
النقطة الثانية: التقوى، فعن الامام الصادق (عليه السلام):«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرُ وَلْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ ومَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ مُنْتَظِرُ فَإِنْ مَاتَ وَقَامَ الْقَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أدركه».[2]
بعد أن تحدد الأم هدفها العالي، من الضروري أن تركز على هذا الهدف وتخطط باستراتيجية جيدة لترسيخ معرفة صاحب الزمان في قلب طفلها. فمسألة العقيدة يجب أن تُغرس منذ الصغر، كما تقول الرواية:« الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ»[3]، عندما تُعلّم الأم طفلها، تدخل المعلومة إلى أعماق وجوده وتُرسخ في طبقات الوعي واللاوعي، مما يجعل من الصعب تغييره فيما بعد.
إذا أردنا ترسيخ معرفة صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) في قلوب الأطفال، فعلينا أن نعمل على ست مفاهيم أساسية:
1)لماذا نحتاج الى الامام؟
2)تعريف الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام)
3)غيبة الامام
4)الامام حنون و ملاذ الرحمة للمؤمنين
5)الامام شاهد على أعمالنا
6)التوسل بالامام
وقد ذكرت لكل من هذه المفاهيم أحاديث وقصص وتكتيكات عملية لنقل المفهوم بشكل صحيح ومؤثر للطفل.
وأكدت أن تعليم هذه المفاهيم يجب أن يكون بطريقة تفاعلية، وليس بشكل موعظة بحتة. ينبغي دمج التعلّم مع اللعب والقصص التي تناسب عمر الطفل، وقدمت أمثلة وقصص عملية لتوضيح ذلك بشكل أفضل.
وأضافت معاش: أنه لا يكفي مجرد تعليم هذه المفاهيم وترسيخها، بل يجب في المرحلة التالية أن نعمل على خلق ألفة واستئناس مع قضية صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف). ينبغي أن يشعر الطفل بالمتعة في العيش مع هذه المفاهيم، وأن نهيئ أجواء تجعل الأطفال يتذكرون الإمام المهدي (عليه السلام) في مختلف مواقف حياتهم، مما يؤدي إلى شعورهم بحضور الإمام في كل لحظة، هذا ما نسميه بالألفة مع قضية الإمام صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف). كما شرحت القضية النفسية للشرطية (Conditioning) التي تحدث لدى الإنسان، وكيف يمكننا استخدام هذه الطريقة العلمية لصنع ألفة لدى أطفالنا مع صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف).
اما بالنسبة للنقطة الثانية في التربية المهدوية وهي التقوى ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام):«إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً الْمُتَمَسُكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالْخَارِطِ لِشَوْكِ الْقَتَادِ بِيَدِهِ ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيَا ثُمَّ قَالَ إِنَّ لصَاحِب هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً فَلْيَتَّقِ اللَّهَ عَبْدُ وَلْيَتَمَسَّكْ بِدينِهِ»[4]،
التقوى مصطلح يجب أن يُطرح بصورة عينية وملموسة ليترسخ في ذهن الطفل. يمكن تعريف التقوى للطفل بأنها صفة يجب أن يتحلى بها من يحب صاحب الزمان؛ حيث إن التقوى تعني فعل كل ما يحبه الله وترك كل ما يبغض الله عزوجل.
وقدمت شروح مع أمثلة وقصص توضح كيف يمكن ترسيخ مفهوم التقوى لدى الأطفال، بحيث يجدون في تلك الأمثلة تجسيدًا حقيقيًا لهذا المفهوم في حياتهم اليومية.
ثم ختمت الورشة بدعاء:«اللَّهُمَّ وَنَحْنُ عَبِيدُكَ التَّائِقُونَ إِلَى وَلِيِّكَ، الْمُذَكِّرِ بِكَ وَبِنَبِيِّكَ، خَلَقْتَهُ لَنَا عِصْمَةً وَمَلَاذاً، وَأَقَمْتَهُ لَنَا قِوَاماً وَمَعَاذاً، وَجَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَّا إِمَاماً، فَبَلِّغْهُ عَنَّا تَحِيَّةً وَسَلَاماً، وَزِدْنَا بِذَلِكَ يَا رَبِّ إِكْرَاماً، وَاجْعَلْ مُسْتَقَرَّهُ لَنَا مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً، وَأَتْمِمْ نِعْمَتَكَ بِتَقْدِيمِكَ إِيَّاهُ أَمَامَنَا، حَتَّى تُورِدَنَا جِنَانَكَ وَمُرَافَقَةُ الشُّهَدَاءِ مِنْ خُلَصَائِكَ».
بعد ذلك، تم فتح باب الأسئلة، حيث تم طرح العديد من الأسئلة المتنوعة التي شملت مواضيع تتعلق بالورشة بالإضافة إلى استفسارات أخرى تخص التربية بشكل عام.
والجدير بالذكر أن جمعية المودة والإزدهار للتنمية النسوية أن تسعى لدعم وتمكين المرأة والأم ثقافياً. عبر تنظيمها لمثل هذه الدورات والندوات الثقافية على مختلف الأصعدة، وتعمل الجمعية على تعزيز المعرفة وتقديم الدعم اللازم، مما يساهم في بناء قدرات المرأة المسلمة ويرسخ دورها في المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات