تقول دراسات حديثة إن المرأة باتت تتحمل العبء الأكبر من مهام رعاية الأطفال بعد تفشي وباء كورونا، وإنها تعاني أيضا من أجل الحفاظ على وظيفتها في ظل تبعات انتشار هذا الوباء.
تعرضت أنّا زافيير، وهي أم لطفلين دون السادسة من العمر وتنتظر طفلا ثالثا، لضغوط نفسية شديدة بسبب محاولاتها اليائسة للتوفيق بين العمل وحياتها الشخصية، وهددت بمغادرة المنزل والعيش في شقة بمفردها.
وتقول زافيير، رائدة الأعمال التي تركت وظيفتها في شركة عالمية للتجميل لتتفرغ لمشروعها في مجال مستلزمات الطفل في ستوكهولم منذ عام: "أنا الآن في الشهر الثامن من الحمل وبلغ بي الإعياء أقصاه، ولم أعد أقوى على تأدية المهام المنزلية".
ومنذ أن تفشى وباء كورونا المستجد في البلدان الإسكندنافية، شرع زوج زافيير، الذي يعمل في شركة لإنتاج معدات الوقاية الشخصية، في العمل معها من المنزل، وتوقفا عن إرسال طفليهما لدور الحضانة (رغم أن الكثير منها ظل مفتوحا في السويد) لشهور عديدة بسبب المخاوف من تأثير الفيروس على الأمهات الحوامل.
لكن هذا الوضع كان محبطا لزافيير، التي تتقاسم فواتير المنزل مع زوجها مناصفة، وتنهض بالعبء الأكبر لرعاية الأطفال والطهي والتنظيف، في حين يقضي زوجها معظم ساعات اليوم في اجتماعات مرئية عبر الإنترنت.
وتقول زافيير: "إننا اتفقنا من البداية أن تكون الأولوية لوظيفته لأنه يساعد الحكومة السويدية والمستشفيات في الحصول على المعدات التي قد تنقذ حياة الناس". وكان زوجها في نهاية اليوم يكتفي بوضع الأطباق في غسالة الأطباق، وغيرها من المهام الخفيفة التي لم يكن يؤديها أحيانا.
ورغم أن الزوجان أرسلا طفيلهما منذ ذلك الحين لدار الحضانة واستعانا بعاملة تنظيف لتفادي الخلافات، إلا أن انشغال زافيير، التي تبلغ من العمر 44 عاما، بالأعباء المنزلية ورعاية الأطفال، كونها تتحمل النصيب الأكبر منها، أثناء ذروة تفشي الوباء، أعاقها عن تحقيق أهدافها في مشروعها التجاري.
وتقول زافيير: "لم أتمكن من تخصيص الوقت الكافي لمشروعي، وقد داهمني الوقت لأنني كنت أريد أن أنجز أكبر قدر منه قبل وصول المولود".
أعمال منزلية غير مدفوعة الأجر
كانت الآمال في البداية معقودة على أن يؤدي تزايد تطبيق نظام العمل من المنزل في مختلف الشركات حول العالم، إلى تحقيق بعض المساواة في توزيع المهام المنزلية ومسؤولية رعاية الطفل بين الرجل والمرأة، لكن دراسات عديدة أجريت على آباء وأمهات أثناء الوباء كشفت عن أن العبء الأكبر من الأعمال المنزلية ورعاية الطفل لا يزال يقع على عاتق النساء.
إذ استطلع باحثون من مجموعة بوسطن للاستشارات، آراء 3000 شخص في الولايات المتحدة وأوروبا، وخلصوا إلى أن عدد الساعات التي تقضيها المرأة العاملة في المتوسط في تأدية الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر تفوق ما يقضيه الرجل بنحو 15 ساعة أسبوعيا.
وتشير النتائج الأولية لاستطلاع الرأي الذي أجرته جامعة ملبورن في أستراليا إلى أن الآباء والأمهات باتوا يقضون ست ساعات إضافية يوميا في رعاية الأطفال والإشراف عليهم، وتتحمل النساء العبء في أكثر من ثلثي هذا الوقت.
وكشفت أبحاث لعلماء من جامعات أكسفورد وكيمبريدج، وزيورخ أن النساء العاملات، على اختلاف رواتبهن، في المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة
يحملن النصيب الأكبر من أعباء رعاية الأطفال وتعليمهم في المنزل، مقارنة بالرجال الذين يتقاضون نفس الرواتب. وزادت الفجوة بين الزوجين، في حال كان الرجال يعملون خارج المنزل أثناء الوباء.
وأثارت تغريدة لإليزابيث هانون، نائبة رئيس تحرير دورية "فلسفة العلوم" البريطانية، جدلا واسعا بعدما أشارت إلى تراجع عدد الأبحاث العلمية التي تقدمها باحثات أثناء أزمة كورونا. وتقول هانون إن هذا التفاوت بين إسهامات الرجال والنساء للدورية قد يدل على أن النساء هن الأكثر تضررا من الاضطرابات الناتجة عن الوباء.
مسايرة الركب
قد تبدو هذه الصورة قاتمة، لكن بعض بوادر الأمل أخذت تلوح في الأفق. فرغم أن النساء يؤدين النصيب الأكبر من أعمال المنزل ورعاية الطفل، تشير بعض الأدلة إلى أن الرجال، على الأقل في العالم الغربي، زادت مشاركتهم في المهام المنزلية منذ تفشي وباء كورونا المستجد.
وخلص بحث أجرته ثلاث جامعات كندية إلى أن نسبة كبيرة من العائلات ذكرت أن المهام المنزلية أصبحت توزع بالتساوي. إذ ذكر أكثر من 40 في المئة من الآباء أنهم يقضون أوقاتا أطول في الطهي، وذكر 30 في المئة أنهم يقضون وقتا أطول في غسيل الملابس وتنظيف المنزل.
وأشار استطلاع للرأي من شركة "بالس" إلى أن ثلثي الرجال المشاركين أبدوا رغبة في مواصلة العمل من المنزل لقضاء وقت أطول مع أسرهم.
وثمة عوامل عديدة أدت إلى زيادة إسهام الآباء في المهام المنزلية، منها توفير الوقت الذي كان يضيع في المواصلات وزيادة فرص التواصل مع الأطفال وانخفاض ساعات العمل، والبطالة أو الإجازة الإجبارية أثناء تفشي الوباء.
ويعمل روجر داولي، البالغ من العمر 39 عاما، في شركة للتكنولوجيا متعددة الجنسيات، وأتاحت له شركته العمل أربعة أيام من المنزل أثناء الوباء، ويقول إن تأدية المهام المنزلية أصبحت أسهل الآن بعد المكوث في المنزل.
وقررت زوجته أونا موريسون، كبيرة المديرين بشركة للمشروبات العالمية، الحصول على بعض الأيام المستحقة من إجازة رعاية الطفل غير مدفوعة الأجر، لتخفيف عبء رعاية طفليها عن زوجها، في وقت زادت عليه أعباء العمل.
واتفق الزوجان على أن يحصل داولي على إجازة لتخفيف العبء عن زوجته، متى احتاجا لذلك، في ظل إغلاق دور الحضانة. ويقول داولي إنه لا يمانع أن يقضي وقتا إضافيا مع طفليه. حسب بي بي سي
آثار كورونا الاقتصادية.. والخاسر الأكبر هنّ النساء
هبطت كارثة "كورونا" على رؤوس الجميع، فلا تكاد تجد شخصا لا يعاني آثارها بصورة أو بأخرى، لكن آثار الأزمة وإن طالت الجميع فإنها كانت أكثر عنفا على البعض، ولا سيما النساء اللاتي أصبحن الخاسر الأكبر من الأزمة.
أوروبا والدول المتقدمة
على الصعيد العالمي أو في الدول التي ينخفض فيها التمييز بين الجنسين، أطلت الأزمة العالمية على النساء بمزيد من الصعوبات الاقتصادية مقارنة بالرجال.
في الولايات المتحدة الأميركية، فقد أكثر من أربعين مليون شخص وظائفهم، ويزداد العدد كل يوم، ويعتقد أن 11.6 مليونا من جميع الوظائف المفقودة ستصبح دائمة، وقد يستغرق سوق العمل عدة سنوات حتى يتعافى من الانهيار الناجم عن الوباء، وفقا لتقرير منشور على "فوربس".
وألقت الأزمة بظلالها أكثر على النساء، حيث إن أكثر من 60% من الوظائف التي تم تسريح العمالة منها تشغلها نساء، بحسب "معهد أبحاث سياسة المرأة" (The Institute for Women’s Policy Research).
ولم يختلف الوضع في بريطانيا، حيث شكلت النساء اللواتي تقل أعمارهن عن 25 عاما أكثر من ثلث الموظفين الذين فقدوا وظائفهم في قطاعات تم إغلاقها بشكل كبير أو كلي، وفقا لـ"رويترز".
وأكدت دراسة معهد البحوث المالية في بريطانيا، أن تأثير الفيروس قد يضر بأجور النساء، ويرجع ذلك إلى زيادة عدد النساء العاملات، مقارنة بالرجال، في قطاعي تجارة التجزئة والضيافة، إذ تمثل المرأة 17% من العاملين في القطاعات المغلقة، بينما تبلغ نسبة الرجال فيها 13%.
خسائر مضاعفة بالدول العربية
إذا كان ذلك حال الدول المتقدمة، فكيف يصبح وضع المرأة في الدول العربية ودول العالم الثالث؟
الفجوات القائمة، في الوضع الطبيعي، بين الجنسين تؤدي إلى زيادة الآثار السلبية لكورونا على النساء. وهناك مخاطر كبيرة تتمثل في زيادة عدم المساواة بين الجنسين أثناء هذه الجائحة وبعدها.
وكشفت دراسة أجرتها عدة لجان تابعة للأمم المتحدة، بينها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا "الإسكوا" وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها النساء والفتيات في المنطقة العربية قد ازدادت سوءا بسبب كورونا.
وتتوقع "الإسكوا" أن تخسر المنطقة العربية 1.7 مليون وظيفة على الأقل في عام 2020 نتيجة جائحة كورونا، بينها ما يقارب سبعمئة ألف وظيفة تشغلها النساء.
ولكون مشاركة النساء في القوى العاملة بالمنطقة العربية تبلغ ما يقارب 20%، فإن نسبة خسائرهن للوظائف ستتعدى ضعف نسبة خسائر الرجال.
وقد يكون القطاع غير الرسمي الأكثر عرضة للخسائر. ولأن 62% تقريبا من النساء العاملات في المنطقة العربية يعملن بهذا القطاع، فإنهن سيتكبدن الخسائر بشكل غير متوازن.
الملايين بالمنازل من دون أجر
الوضع المأساوي في ليبيا، أصبح أكثر مأساوية على النساء هناك. فقبل كورونا كانت الليبيات يعانين من البطالة والتوظيف غير الآمن وغير اللائق، ووفقا لهيئة الأمم المتحدة، مع الظرف الحالي فإن احتمالات البطالة بالنسبة للنساء تفوق نظائرهن من الرجال في ليبيا بمقدار 12 مرة.
وفي بنغلاديش التي كان يعمل حوالي نصف نسائها في صناعة المنسوجات أو صناعة الملابس الجاهزة، تسببت توابع كورونا في إبقاء الملايين منهن في منازلهن من دون أجر، بحسب بيانات البنك الدولي.
النساء تعيل والبطالة تزداد
لا يختلف حال المرأة المصرية كثيرا في تلك الجائحة، خاصة مع تقديرات الحكومة بأن النساء يُعِلنَ نحو 30% من الأسر المصرية.
ويصبح الحمل أثقل اليوم، مع توقع المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن يحدث تفاقم رهيب في البطالة ومعدلاتها قد يصل إلى 20% نتيجة الأزمة، وتكون النساء من أبرز الفئات المتضررة، لتمثيلهن المرتفع في قطاعات الخدمات وأنشطة القطاع غير الرسمي، إضافة إلى التأثير السلبي عليهن نتيجة الإجراءات الاحترازية مثل وقف الدراسة.
ورغم ما ألحقته التداعيات الاقتصادية والاجتماعية من الضرر على الجميع، فإنها كانت أكثر تأثيرا على النساء، خاصة أنهن يؤدين أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر بثلاثة أضعاف ما يؤديه الرجال في المنزل حتى قبل جائحة "كوفيد-19".
وتسبب الوباء في انتكاسة في المكاسب الاقتصادية التي تحققت للنساء والفتيات خاصة أن هذه المكاسب قد تحققت بشق الأنفس على مدى عشرات السنين، وقد تحتاج المرأة إلى سنوات أخرى لتستعيد ما فقدته، لكن الأمر مرهون بالوقت. حسب الجزيرة
اضافةتعليق
التعليقات