جميع القيم الأخلاقية التي تربط الإنسان ببني جنسه هي غالباً ما تعود الى طبيعته التكوينية التي تمثلت بالفطرة الإنسانية التي وجدت فيه منذ الأزل.
اذ ان بذرة الخير موجودة في كل انسان تقابله على الطرف الآخر بذرة الشر، وفكرة أي منهما سيطغي على الآخر تتوقف على قيم الإنسان نفسه التي ستحكم عليه ليكون انساناً صالحاً او طالحاً.
وإذا عاش الإنسان في ظروف تساعد بذرة الشر على النمو فهنا ستنطمس عنده نزعة الخير وستبدر عليه ملامح العنف، وستعكس سلباً عليه وعلى المجتمع.. وفي هذا الجانب انبرى ملتقى المودة للحوار والذي تعقده جمعية المودة والازدهار دوريا لمناقشة هذا الموضوع تحت عنوان (بناء ثقافة اللاعنف كأساس للحلول) باستضافة سماحة الشيخ "مرتضى معاش" ومشاركة عدد من الكاتبات والشخصيات الأكاديمية الساعية دائماً للارتقاء والتطور.
حيث اشارت زهراء وحيدي ناشطة مدنية وكاتبة صحفية: "على ان التطورات التي شهدها العالم من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية لم تختصر على الجانب الإيجابي فقط، بل انها صعدت على القيم والمبادئ الإنسانية في المجتمع لتحقيق المصالح الخاصة.
فكلما زاد التطور زادت المشاكل أكثر وأكثر، ولعل أكبر مشكلة واجهتها المجتمعات وبالأخص العربية هي مشكلة الطائفية والتمييز العنصري، التي بدأت تنخر الشعوب من الداخل، وفكرة السيطرة على المشاكل المستحدثة تحتاج الى نهج محكم وقويم، وبلا شك أفضل مرجع لإيجاد الحلول السحرية التي تتمكن من السيطرة على مشاكل القرن الواحد والعشرين هو القرآن الكريم الذي اقرّ بقوانين صالحة لأي زمان ومكان.
وأضافت وحيدي:
ومع زعزعة الوضع الأمني والاجتماعي الذي أصبحنا نعيشه في الآونة الأخيرة بسبب انتشار حالات العنف والأساليب الوحشية التي تستخدمها بعض الجهات، علينا مراجعة سياسة اللاعنف التي اقرها الله (سبحانه وتعالى) ونهجه رسول الإنسانية محمد (ص)، والسير على خطاه للقضاء على حالات العنف ودعوة الناس الى السلام والمحبة.
ومع اختلاف الازمان لا نستطيع الجزم بأن المشاكل تغيرت، فنرى بأن ماهية المشاكل لازالت نفسها ولكن أساليب المشاكل والطرق التي تنشأ منها المشكلة وتنمو هي التي تغيرت".
ولأجل إثراء الموضوع بمزيد من الأفكار طرحت "زهراء وحيدي" على الحاضرين سؤالين أساسيين:
السؤال الأول: لماذا العنف السبب الأكبر في تفجير النزاعات والأزمات؟
زينب صاحب: الجانب الاجتماعي
السيدة زينب صاحب رئيس جمعية المودة والازدهار النسوية في كربلاء تؤكد "على ان ما نلاحظه في تطور البشرية هو بالأصل من تطور الأفكار وبناءها، ففكرة لجوء الناس الى العنف هو باعتباره الطريق الأقصر والأسهل للوصول الى المبتغى، متناسين بأن العنف يجرد الانسان من انسانيته تماماً ويخرجه من دائرة التفكر، كما ان تفجير الغضب بطرقه غير الصحيحة أدى الى صناعة نزاعات كبيرة بين الأسر والعوائل منها ما سببت تفكيك العائلة والطلاق إضافة الى النزاعات الكبيرة التي نسمع عنها بين العشائر والأسر الكبيرة والتي غالباً ما تنتهي بالدم".
مروة ناهض: الجانب الأخلاقي
الصيدلانية والكاتبة مروة ناهض تعتقد "بأن ثقافة العنف أصبحت شائعة بين الناس بسبب عدم تقبل الآخرين، ومن الناحية الاجتماعية اخذ العنف منحىً عميقاً بين العوائل حتى داخل البيت، بسبب عدم تقبل الآخر، كما ان اختلاف الآراء تعتبر من العوامل المهمة التي فتحت افاقاُ واسعة للعنف، ولأن العرف المجتمعي يؤكد على القوة والسلطة لهذا نجد تشويه كبير للمبادئ وبالأخص للعنصر الأخلاقي في المجتمع على أساس مبدأ "ان لم تكن ذئباُ اكلتك الذئاب".
رقية تاج: الجانب النفسي
الإعلامية رقية تاج مديرة تحرير في موقع بشرى حياة تتصور "بأن الإنسان خلق وفي داخله نزعة الانسانية ولكن البيئة التي ينشأ بها هي السبب الأساسي على موت نزعة الخير عنده، كما ان التعصب هو العامل الأساسي الذي يشجع على العنف".
ولاء الموسوي: الجانب الديني
الكاتبة ولاء الموسوي باحثة في الدين الإسلامي تعتقد بأن "الابتعاد عن نهج الرسول واهل بيته الكرام هو السبب الأساسي في انتشار العنف في العالم، لأن النهج الذي اتى به الله الى الناس هو الإقرار بالسلام والتعامل بالحسنى، كما ان عدم القدرة على المقاومة وتهذيب النفس سبب خللاً ديناميكياُ في تنشئته وشجعته على العنف".
فهيمة رضا: ردود الأفعال والتصرف المباشر
الكاتبة فهيمة رضا تتصور "بأن الشعور بالحقارة والانانية هي السبب الاول في انتشار العنف بين الناس، فالإنسان اول ما يتعرض الى موقف صعب بطبيعته يريد مواجهة الموقف بطريقة حادة، فنجد الله تعالى يقول في كتابه: "وقولوا لهم قولاً لينا"، لهذا السبب يجب الانتباه لردود افعالنا مع الناس وامتصاص الغضب والتعامل بالحسنى".
الشيخ مرتضى معاش: الجانب الغريزي
الشيخ مرتضى معاش المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام يعتقد "بأن الانسان في طبيعته الذاتية توجد لديه خاصية العنف، ولكن يبقى في داخله صراع نفسي بين الغريزة والعقل، فالغريزة يحكمها الجانب الأناني للبحث عن السلطة والمال وامور أخرى، فنرى الانسان في هذه الحالة يبحث عن اية طريقة تصله الى مبتغاه، فيكون العنف هو اول خياراته، وحتى ان وصل الى ما يريد عن طريق العنف، سيسبب اضراراً كبيرة للمجتمع كالخراب والدمار والحروب..الخ، فنلاحظ بأن حرب كاملة حدثت بسبب رغبة شخص في السيطرة على العالم، كهتلر او نابليون او صدام وسببت دماراً هائلاً للمجتمعات والشعوب".
السؤال الثاني: كيف نرسخ ثقافة اللاعنف كأساس لحل مشكلاتنا وازماتنا؟
-السيدة زينب صاحب ترى " ضرورة مسح الغبار عن بعض الأفكار التي توحي بأن الانسان اللاعنيف هو شخص ضعيف ومستسلم هو امر ضروري جداً، لأن في الحقيقة الانسان المسالم هو انسان مقاوم وقوي يملك قوة المنطق الذي يقيه من استعمال منطق القوة.
-الإعلامية رقية تاج تعتقد "بأننا نحتاج الى المزج بين قوة الحق وقوة الكلمة لنشر السلام في العالم، وبلا شك ان اول انطلاق حقيقي لهذين المبدئين شهده الإسلام على مر التاريخ، فنلاحظ ان قضية عاشوراء هي خير مثال على ذلك، اذ ان الامام الحسين (ع) مثل قوة الحق، لتأتي بعده السيدة زينب (س) لتمثل اعلامياً قوة الكلمة فنشهد الانتصار الكبير الذي تركته الثورة في نفوس العالم.
-الصيدلانية مروة ناهض تتصور "بأن احياء التعاليم الدينية هي الخطوة الاولى لنبذ العنف في العالم، والابتعاد عن الأعراف والتقاليد التي تحكم المجتمع على منهج (العيب) تاركين حرام الله وحلاله، فرسالة الحقوق للإمام زين العابدين تعتبر خير منهج تربوي تهدي الانسان الى كيفية التعامل مع المجتمع بطريقة سلمية واخلاقية.
-الشيخ مرتضى معاش يرى "بأن أساس الكون قائم على الرحمة واللاعنف، لهذا السبب يعتمد البناء الذاتي الأخلاقي على الانسان نفسه، فهنالك صفات مهمة تعكس ابعاداً أخلاقية كبيرة وتساهم في نبذ العنف والسيطرة على الغريزة الانسانية، فقدرة التحمل والصبر هي المرآة الصافية التي تعكس قوة الايمان، كما ان التربية تلعب دوراُ كبيراُ في بناء الاسر المسالمة والتي تنبذ العنف وتربي ابناءها على أسس الإسلام القويمة والتي تعزز الروابط المجتمعية في العالم.
المقترحات والتوصيات:
١- العودة الى النهج الإسلامي السليم.
٢- إقامة دورات وندوات تحث على السلام وتنبذ اللاعنف في المجتمع.
٣- إقامة ورشات تدريبية لكيفية التعامل مع حالات العنف في العالم.
٣-ترويج ثقافة اللاعنف في المجتمع وخصوصاً في بيئة المدرسة والبيت.
٤- فضح هواجس العدو الدنيئة المتمثلة بالجهات التي تستخدم الانسانية الزائفة كعباءة تغطي بها سوءات افعالها.
٥-تقديم نماذج مهمة تمثل الانسانية السليمة التي اقرها الاسلام بكل ابعادها.
٦-تسليط الضوء على المبادئ السامية التي قدمتها الشخصيات الإسلامية عبر التاريخ.
اضافةتعليق
التعليقات