الرسالة، في جوهرها، ليست مجرد كلمات أو هدف عابر، بل هي ميثاق خفي بين الروح والكون. هي شرفٌ يُحمل في الصدر كجمرةٍ لا تنطفئ، ونورٌ يضيء طريقًا قد يتسع بالرجاء أو يضيق بثقل التحديات. أن تحمل رسالة يعني أن تُخاطب العالم بلغته الصامتة، أن تستسلم لهمسٍ كُتب عليك، فتغدو جزءًا من نسيجٍ أعظم، تُسيّرك قوةٌ خفيةٌ نحو هدفٍ لا يراه إلا أولئك الذين فتحوا أعينهم على أسرار الوجود.
الرسالة ليست هدية تُمنح لكل عابرٍ في هذه الحياة؛ بل هي اختبار لأصحاب النفوس الصافية، أولئك الذين يتوهجون رغم الغبار الذي يحيط بهم. هي عبءٌ يُلقى على الأرواح القوية، يُطهرها بألم التحدي، ويصهرها لتصبح أكثر نقاءً وصلابة. ومن يحمل الرسالة، لا يملك رفاهية التراجع، فهو كمن وضع قدمه على طريق لا رجعة فيه، طريق تتناثر عليه الشكوك، وتتراقص على جانبيه الأشواك، ومع ذلك، يستمر، يقوده إيمانه الخفيّ بأن رسالته تستحق الثمن.
كم من مرة يجد حامل الرسالة نفسه في مواجهة نفسه؟ في صراعٍ صامت بين ما يريد وما عليه، بين ما يختاره بإرادته وما تفرضه عليه الرسالة. في عمق كل خطوة، يتردد الصدى القائل: "لا سبيل للتراجع". وكأن الطريق الذي يسلكه قد خُتم بقدرٍ لا رجعة فيه. ورغم الألم والشكوك التي ترافقه، يستمر، لأن الرسالة ليست مجرد اختيار، بل نداءٌ خُلق له منذ الأزل.
أن تحمل رسالة يعني أن ترى ما لا يراه الآخرون، أن تشعر بثقلٍ يسكن داخلك دون أن تبوح به. هي تجربة فريدة، تتجاوز المعاني السطحية للألم والسعادة. تتجاوز كل شيء لتصبح كيانًا مُستقلًا، كيانًا يعيش وينبض داخل حامل الرسالة. هو فخرٌ لا يُشترى، ونعمةٌ لا تُمنح إلا لمن قُدر له أن يخوض في أعماق الحياة.
في هذه الرحلة، يختبر الإنسان حدود قوته، يُعيد اكتشاف نفسه، ويقف على حافة العظمة والانكسار في ذات الوقت. فالرسالة ليست نورًا دائمًا؛ بل هي نارٌ تعصف به أحيانًا، تُذكّره أن الطريق ليس مفروشًا بالورود، وأن العظمة تتطلب من يحملها صبرًا يتخطى المألوف، وعزيمةً تتجاوز الماديات.
وحين يقف حامل الرسالة في نهاية الرحلة، ويلتفت إلى الوراء، لا يرى سوى الرماد الذي خلّفه حريق المعاناة والتحديات. لكنه يرى أيضًا النور الذي أضاء دربه، يرى الصورة الكبرى التي عاشها، تلك اللحظات التي صنعت من عبء الرسالة كيانًا شامخًا، يقف في مواجهة العالم وقد صُقل بنيران الرحلة، ممتنًا لهذا الحمل الذي منحه معنىً عميقًا وخلّد أثره في مسار لا ينتهي.
اضافةتعليق
التعليقات