"منذ ان تزوجت شعرتُ بأن حياتي اصبحت دون فائدة، فأنا كنت بمثابة القنبلة النووية في الجامعة أقوم بأعمال كثيرة واشارك في النشاطات ولكن بعد الزواج كأنما سلبت حريتي وقد قصت أجنحتي لأمتنع عن الطيران"..
هذا ماقالته زينب التي تبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاما، وتروي لنا تجربتها قائلة:
فعلا كنت أشعر بأنني تبدلت، من تلك الفتاة المبتسمة النشيطة الى إمرأة كبيرة يجب عليها ان تنظف وتكوي وتقوم بواجبات الزوجة لأنني حملت في ليلة زواجي وبعد ان انجبت الطفل الأول رزقت بسرعة بالثاني أيضا، هكذا دخلت في سباق مع كل شيء وكأن العالم أصبح يطاردني وينتقم مني، صوت الصراخ من جانب وواجبات البيت من جانب اخر، شعرت وكأن علي ان أودع ذكريات الماضي وجميع نشاطاتي وفعلا بدأت أتخلص من تلك الذكريات؛ صور الجامعة، صديقاتي، وكل شيء كان يتعلق بالماضي ولكن كنت أشعر على الدوام ان هناك وخزة في قلبي تجبرني ان اتنفس بصعوبة رغم تبسمي الدائم وفي بعض الاحيان كنت اقول: ليست هذه هي الحياة التي كنت أخطط لها!.
ولكن لم يكن بوسعي ان أفعل أي شيء في يومي سوى الركض لأنهي اعمال البيت حتى عباداتي لم تكن كالسابق فقبل الزواج كنت أواظب على صلاة الليل ولكن بعد الحمل والانجاب سلبت مني أكثر عباداتي المستحبة لأنني كنت أغفو من فرط التعب، هكذا كنت في طريقي إلى الجنون..
وفي احد الايام كنت واقفة أمام الغاز لأطبخ الطعام، كنت اعجن الكباب لأضعه في المقلاة، بعد ذلك راودتني فكرة، صحيح إنني تخلصت من صور الماضي ولكن ذكريات الماضي تخنقني دائما وتلاحقني لتقول إنني أصبحت إنسانة مقيدة ولا أستطيع أن أكون نشيطة كالسابق ولكن فكرت، أهناك نشاط أكثر عظمة من نشاط المرأة في بيتها؟!
نعم أنا من يجب ان أجعل من هذا البيت الصغير نقطة انطلاق نحو مستقبل مشرق...
مع كل خميرة كباب كنت أعجنها بشكل جميل لأجعلها في المقلاة فكرت ان استغفر ربي خمس مرات هكذا وفي وقت قصير رأيت بأني استغفرت ربي مئة مرة، من قال ان الانسان يتقيد ويدخل في سجن بعد الزواج؟ إن الانسان تتغير واجباته نوعا ما الى كيفية اخرى، من ذلك اليوم بدأت أفكر وأغتنم الفرصة رغم التعب وواجبات البيت، المرأة باستطاعتها خرق الحواجز والسيطرة على العالم بطرق مختلفة.
١-تربية جيل مثقف صالح فهؤلاء الأطفال كطلاب الجامعة يتعلمون كل شيء في البيت ويرسخ العلم في ذاكرتهم مع الحب والحنان وأي علم أقوى تأثيراً من التعلم في الصغر، من أحب انسان على القلب من "الأم"، فربما تغير دوري قليلا ولكن أصبحت مهمتي أدق وأخطر بكثير مما كانت في السابق.
٢- بدأت اهتم بالمستحبات والأدعية كالسابق فليس من الضروري ان اجلس في مكان فارغ وأقرأ القرآن والأدعية بل أستطيع عن طريق البرامج الذكية في الهاتف أن أختم القرآن وأقرأ الأدعية في حين أقوم بواجبات البيت، أتصدقون منذ ذلك اليوم أصبحت واجبات البيت أقل بكثير من السابق وكأن هناك مساعدات غيبية تقوم بواجبات البيت!.
٣- شاركت في قنوات علمية ودينية فعندما كنت احُضّر الطعام كان يبدأ درسي التنموي أحيانا والعقائدي احيانا اخرى والأمور الدينية التي لم اكن اعرف عنها شيء، عندئذ عرفت بأن هناك ثواب عظيم لعمل المرأة في بيتها، مع كل قطرة حليب ترضع طفلها تستغفر لها الملائكة وهناك ثواب لا يعد ولا يحصى على الكأس الذي تقدمه لزوجها قربة الى الله... وهكذا شاركت في دورات كثيرة دون ان تعبر قدمي عتبة الباب، وهكذا رجعت قنبلة نووية كالسابق وشعرت بأنني أصبحت أكثر فائدة ونشاطا من ذي قبل بل أكثر حكمة أيضا.
٤- قررت ان اشارك العالم بالتطور ولو بشيء بسيط ولم يكن أمامي اختيار أجمل من أن أكون كاتبة، هكذا بدأت أقرأ كل يوم كي أنمي مهارة الكتابة وأشارك العالم بشيء صغير يخرج من بيتي المتواضع وهذه الرسالة من إمرأة تملك أطفالا وتهتم بدروسهم وتقوم بهذه الأعمال.
لا زلت أفضل الكباب على باقي الأكلات لأنه في اليوم الذي كنت أحُضّر عجينة الكباب خطرت لي فكرة الاستغفار ومن ثم بدأت رحلتي الجميلة الى تغيير عالمي البائس الذي كنت قد صنعته لنفسي والأجمل من ذلك لمست جمال هذا الحديث؛ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ تَفَكُّرَ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ". وفي حديث غيره: "إِنَّ تَفَكُّرَ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةٍ"1، وفي رواية: "سَبْعِينَ سَنَةٍ"2، وعن بعض علماء الفقه والحديث: "أَلْفَ سَنَةٍ"، نعم باستطاعة فكرة صغيرة أن تزهر أيامك كلها وتدفعك إلى مستقبل مملوء بالحب والعطاء.
اضافةتعليق
التعليقات