أصبحت تطالعنا وسائل الإعلام بشكل شبه يومي عن ما يقع فيه الأطباء من أخطاء طبية تؤدي إلى الإضرار المباشر بالمريض سواء بوفاة المريض أو إصابته بعاهة مستديمة أو قصور في وظائف جسمه الحيوية الأمر الذى دعى الجميع للتساؤل حول هذا الموضوع لمعرفة نوع المسئولية التي تلقى على عاتق الطبيب من جراء هذا الفعل وكذلك حقوق المريض أو أهله. وحتى نعرض الموضوع بشكل شامل ومبسط يجب علينا أولاً أن نعرف ما هو الخطأ الطبي، يُعرَّف الخطأ الطبي “بأنه انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظةٍ وتبصّر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه”، أو هو “كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه على القواعد والأصول الطبية التي يقضي بها العلم، والمتعارف عليها نظريا وعمليا وقت تنفيذه العمل الطبي، أو إخلاله بواجبات الحيطة والحذر واليقظة التي يفرضها القانون والمهنة عليه.
أشكال الخطأ الطبي
١.الخطأ في العلاج، أو نقص المتابعة.
2. الجهل بأمور فنية يفترض فيمن كان في مثل تخصصه الإلمام بها.
3. إجراء العمليات الجراحية التجريبية وغير المسبوقة على الإنسان بالمخالفة للقواعد المنظمة لذلك.
4. إجراء التجارب، أو البحوث العلمية غير المعتمدة على المريض.
5. إعطاء دواء للمريض على سبيل الاختبار.
6. استعمال آلات أو أجهزة طبية دون علم كافٍ بطريقة استعمالها، أو دون اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جراء هذا الاستعمال.
7. التقصير في الرقابة والإشراف.
8. عدم استشارة من تستدعي حالة المريض الاستعانة به.
ومشكلة الأخطاء الطبية لم تعد مشكلة مهنية محصورة ضمن كوادرها في الساحة الطبية، بل هي مشكلة اجتماعية تحوز على أهمية خاصة لدى جميع فئات المجتمع وشرائحه، وقد اهتمت وسائل الإعلام بمشكلة الأخطاء الطبية وذلك من خلال طرحها المواضيع والمقالات المتعلقة بالأخطاء الطبية في محاولة منها لمعرفة أسباب هذه المشكلة ووضع حلول لها.
ضياع فرص كبرى لإنقاذ حياة النساء والأطفال بسبب قصور الخدمات الطبية، وعدم كفاية المعلومات في بعض المناطق، وإتباع أسلوب ينقصه التنظيم والفاعلية في إحالة المرضى وتلبية الاحتياجات الطبية العاجلة.
وقد وردت لنا الاعلامية ((ولاء حسين)) احد إعلاميات بغداد هذه الحالة ولكن هذه لم تكن الحالة الوحيدة التي تحدث في مستشفيات العراق حيث تقول:
حصلت في إحدى مستشفيات الولادة في مدينة العمارة مؤخراً راح ضحيتها طفل وليد بسبب التشخيص الخاطئ لطبيب شاب حديث التخرج، إذ أخبر الزوج أن طفله ولد ميتاً وذهب الوالد لإخبار عائلته والاستعداد لدفن الطفل، وفي هذه الأثناء خرجت الممرضة تحمل الصغير إلى ثلاجة الموتى فشعرت الممرضة بالصغير يتنفس فأسرعت إلى الطبيب وهي غير مصدقة وتقول: "دكتور إن الطفل يتنفس فإعمل له تنفساً اصطناعياً" ولكنه لم يصدق كلامها ولم يكلف نفسه التأكد مما قالت! وربما رأى أن الممرضة تخالف كلامه أو تنتقص من تشخيصه ولم يدر في باله أنها حالة إنسانية ويجب إنقاذ الطفل وإعادة البسمة والفرحة لوالديه اللذين انتظرا ولادته بعد تسعة أشهر.
وصرخ الطبيب في وجه الممرضة لتنفذ أمره ووضع الوليد في ثلاجة الموتى وكان الأب قد غاب 4 ساعات ليخبر أهله وأهل زوجته ويحضر لدفن ابنه وعند عودته ذهب إلى ثلاجة الموتى ليتسلم جثته وما إن حمله بين يديه حتى صعقته المفاجأة فقد شعر بأصابع الطفل وهي تتحسس ويمسك بيد أبيه، ونظر إلى عيني ابنه فوجدهما يتحركان، ياالله لم يصدق ما رأى! فركض مسرعاً إلى الطبيب نفسه متوسلاً إليه أن ينقذ حياة الطفل ولكن لا حياة لمن تنادي وكأن المستشفى خالية من الأطباء سواه فلم يهتم الطبيب وغادر المكان وراح الأب يتصل بأهله ليلحقوا به وينقذوا الطفل والحل السريع هو وضعه في أحد أسرة الأطفال الخدج ولكن لا يوجد سرير فارغ فجميعها مشغولة أو عاطلة!. وفارق الصغير الحياة وهو لم يكد يراها وقضى ساعاته الأربع حياً داخل الثلاجة بعيداً عن الأوكسجين.
مات بين يدي والده الذي شق صراخه عنان السماء وهو عازم على أخذ حقه وحق طفله
المغدور وزوجته من هذا الطبيب المهمل والتحقيق لا يزال جارياً لينال جزاءه العادل.
موقف القانون
مسؤولية الطبيب عن أخطاءه المهنية: تنشأ عن ممارسة الأعمال الطبية أخطاء مهنية قد تستوجب المساءلة الجزائية ومنها يستوجب المساءلة المدنية.
فما هو نطاق سريان هذه المسؤولية على الأطباء...؟
الحقيقة من خلال تدقيق القوانين العقابية العراقية المتعلقة بالأخطاء المرتكبة من قبل الأطباء خلال ممارستهم مهنتهم لم نجد إلى ما يشير إلى هذه المسؤولية.. لذلك توجب الرجوع إلى القواعد العامة في هذا الباب.
فالطبيب لا يسأل جزائيا عن أخطاءه المهنية غير المقصودة استنادا إلى المادة (( 41)) من قانون العقوبات لأن عمل الطبيب مقرر وفق القانون ولكن تطبق بحقه النصوص القانونية الأخرى في حال تعمده ارتكاب الخطأ المهني فإذا أدى الخطأ المتعمد إلى موت المريض فتكون مسؤولية الطبيب متحققة وكذلك إذا أدى خطأ الطبيب المتعمد إلى تعطيل أو تلف عضو من أعضاء جسم المريض فتكون مسؤولية الطبيب متحققة..
فقد أشار المشرع العراقي في المادة (( 417 / قانون العقوبات)) [يعاقب بالحبس أو بالغرامة كل امرأة أجهضت نفسها عمدا بأية وسيلة كانت أو مكنت غيرها ذلك برضاها...] [ ويعاقب بالعقوبة ذاتها من أجهضها عمدا برضاها...] [ويعد ظرفا مشددا إذا كان طبيبا أو صيدليا أو كيميائيا أو قابلة أو أحد معاونيهم...].
وأشارت المادة (( 418 / عقوبات)) اجهاض المرأة عمدا وبدون رضاها ظرفا مشددا إذا ارتكب من قبل طبيب أو الصيدلي أو الكيميائي أو القابلة أو احد معاونيهم.
كما ألزم القانون المحكمة التي تنظر الدعوى بالنص في قرار الحكم على منع الفئات المذكورة من ممارسة المهنة أو العمل لمدة ثلاث سنوات.
ومن أهم الحلول التي يجب أن توضع لتفادي الوقوع في هذا الخطأ:
يجب أن توضع قضية الأخطاء الطبية من أولويات المسئولين والتعامل مع الخطأ الطبي بموضوعية والبحث عن الأسباب والحلول لا محاولة وضع إصبع الإتهام على الأشخاص والإعتقاد أنه بعقاب المخطئ نكون قد حللنا المشكلة.
ولتقليص معدل الأخطاء الطبية بداية يجب الاعتراف بوجود المشكلة وعدم محاولة إخفائها أو التستر عليها وهنا سوف نوجز بعض المقترحات للحيلولة دون ارتفاع معدل الأخطاء الطبية:
* يجب المعرفة بأن الخطأ الطبي ليس مسؤولية فرد ولكن هو مسؤولية مشتركة وإن الخطأ لا يصل إلى المريض إلا بالمرور على عدة مخطئين إن صح التعبير بمعنى أن الخلل ليس بالأفراد ولكن بالنظام الذي سمح بوصول الخطأ للمريض أو المراجع.
* إنشاء برنامج مستمر لتقليص الأخطاء الطبية والتوعية المستمرة بهذا النطاق.
* تشجيع العاملين والمراجعين بالقطاع الصحي للإبلاغ عن الأخطاء الطبية من أولى الخطوات التي يجب تعزيزها وذلك بوضع طريقة تساعد على الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث والنظر إليها بإيجابيه لحلها وعدم التعامل معها بطريقة البحث عن المجرم وعقابه لأن ذلك سوف يمنع العاملين عن التبليغ.
* إيجاد وسائل سهلة للإبلاغ عن الأخطاء الطبية عن طريق الانترنت والهاتف المخصص للبلاغات والاستمارات الورقية.
* التعامل مع الأخطاء الطبية بطريقة التحليل لمعرفة سبب المشكلة وإنشاء نظام لعدم تكرار هذا الخطأ.
* إخضاع الأجهزة الطبية إلى معايير ثابتة ووضع إجراءات وقائية لتفادي الأخطاء البشرية.
استخدام التقنية الحديثة التي تساعد على إعطاء الجرعات الصحيحة للمرضى والتنبيه عند اختلاف الجرعات أو تغييرها.
* وضع نظام للتأكد من إعطاء العلاج الصحيح للمريض وخصوصا ˝في الأدوية الوريدية والتي يكون الخطأ بها مميتا˝ مثل التأكد من زمرة الدم المعطاة للمريض أنها الزمرة الصحيحة من قبل الممرضين.
وعند النظر في حل هذه المشكلة يجب عدم إهمال الدور الكبير الذي يقع على عاتق المريض فمن المهم معرفة أنه كما للمرضى حقوق فعليهم واجبات أيضا ˝فمن واجبات المريض والمراجع في القطاع الصحي أن يكون مسؤولا˝ عن صحته وضمان تقديم خدمة آمنة له وذلك من خلال:
* سؤال الطبيب عن العلاج المعطي كنوعه وجرعاته وتكراره والإجراءات المقدمة بتفصيل وكيفية عملها، والطلب من الطبيب أو الصيدلي أو الممرض إعادة الشرح في حالة عدم الفهم.
* الاحتفاظ بقائمة عن الأدوية التي يأخذها المريض حتى الأدوية التي تؤخذ بدون وصفة وتقديمها للطبيب عند المراجعة أو عند الحاجة.
* السؤال عن نتائج التحاليل والإجراءات المعمولة للمريض وما معناها بالنسبة له.
* فهم خطة العلاج والخيارات المتاحة ومشاركة المريض للطبيب باختيار الخطة المناسبة له.
* وعند الحاجة لعملية يجب فهم مدى الحاجة لها وطريقة إجرائها بوضوح وما سيحصل خلال العملية واحتمالات المضاعفات لا سمح الله.
نلاحظ الكثير من المرضى يلجأون إلى العلاج وإجراء العمليات في خارج العراق ويرجع ذلك بسبب الخوف من الطبيب العراقي وأيضا بسبب عدم التشخيص الصحيح وقلة الاهتمام بالمرضى من قبل الكادر الطبي وعدم وجود تقنيات حديثة تساعد المريض لتلقي العلاج في العراق وكذلك بسبب الأخطاء والإهمال الذي يصدر من بعض الأطباء وأدى لوفاة الكثير من الناس.
لطفا ياأطباء العراق اهتموا بالمريض الاهتمام الكافي والتشخيص الصحيح له واعطاء العلاج المناسب لحالته لكي لا نفقد حياة الكثير من الناس بسبب الاهمال والتقصير الذي يصدر من بعض الأطباء. بخاصة وأن هناك أطباء جدد لا يمتلكون أي كفاءة ومهملين في عملهم فليتم تطبيق القانون ليكون رادعا لهم.
وأيضا على الطبيب أن ينظر إلى المريض بحالة انسانية في أجور الفحص الطبي أي لا ينظر إليه بكونه زبونا لكي لا ينصب عمله على الأمور المادية ويتولد من خلالها الاهمال لأنه هناك الكثير من الناس الفقراء لا يملكون أجرة الفحص الطبي وإن الإسلام أوصى بالفقراء وأيضا قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) في حديث له:
يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام. جامع السعادات ج2 ص٧٨.
اضافةتعليق
التعليقات