تعتمد الامم في بناء مستقبلها على الشباب كونهم اداة التغيير وبناة المستقبل لذلك تساهم الحكومات بشكل خاص في بناء الشباب علميا وثقافيا واجتماعيا، كما انها تؤسس الكثير من المؤسسات الثقافية التي تهتم برعايتهم. واليوم ونتيجة لظروف مختلفة نجد هناك انخفاضا كبيرا في المستوى الثقافي لدى الشاب العراقي مما يؤدي الى فقر وجوع ثقافي وهذا يجعلنا في قلق وخوف على مستقبل البلاد.
متعة القراءة
وترى الشابة (سهام عادل)/ 25 سنة، وهي عضوة في رابطة اوروك الثقافية. ترى ان شباب اليوم يبحثون عن المتعة في مجالات اخرى غير القراءة والثقافة والاطلاع لانهم تقريبا يجهلون متعة القراءة والحصول على المعرفة في جميع مجالاتها العلمية والادبية والفنية.
وتضيف سهام ان بعض زملائها في العمل حين يرومون مجاملتها في المناسبات يقدمون لها هدايا ثقافية مثل الكتاب او لوحة فنية او فلم سينمائي على قرص مدمج لانهم يعرفون اهتماماتها وهواياتها لكنهم في الحقيقة لايرغبون بفتح كتاب او البحث عن معلومة والسبب في ذلك انهم لم يحبوا متعة القراءة والمطالعة.
وتتابع سهام: انهم عندما يكونون بحاجة الى محاور في بعض امورنا ومشاكلنا في العمل فانهم يختاروني لانهم يثقون بقدرتي على التحاور والاقناع. وهم يحترمون فكرة الثقافة لكنهم يعتقدون انها صفه ذاتية وليست مكتسبة وهي موهبة حالها حال بقية المواهب، وهم يعتقدون انهم يفتقرون اليها. وفي الحقيقة ان الثقافة صفة مكتسبة من البيئة والعائلة والاصدقاء وهي تجعل الشخص يحترم نفسه كثيرا ولا يبيع مبادئه وافكاره بسهولة.
في حين يرجح الشاب (علي مسعود)/30 سنة ان سبب عزوف بعض الشباب عن المطالعة والثقافة هو تدهور الحياة الاقتصادية للأسرة والذي يقابله ارتفاع في أسعارالكتب والمطبوعات، فضلا عن انشغال اكثر الشباب بتوفير لقمة العيش او مساعدة عوائلهم فيها وقسم منهم يجمع بين العمل والدراسة لتوفير مصاريفه الشخصية في آن واحد فلا يملك متسع من الوقت للمطالعة ومن جانب آخر فإن الوضع العام من تدهور امني وسياسي واخلاقي وافتقار المجتمع الى مؤسسات ثقافية تهتم بالثقافة بشكل جدي وحقيقي يدفع نحو الابتعاد عن الاهتمامات الثقافية.. وهذا لايعني عدم وجود مثقفين او مجلات ثقافية بل هي موجودة ولكنها غير كافية وغير مؤثرة.
من جانبه يعترف (عادل الياسري)/50 سنة انه لم يشجع اولاده وبناته على القراءة خارج نطاق المناهج الدراسية لحين اكمال الدراسة الجامعية لانه يشعر بالقلق من جموح افكارهم واهتماماتهم مما يؤثر على مستقبلهم فيكون مستقبل مجهول.
ويوضح الياسري انه لو كنا في الثمانينات والسبعينات لاختلف الامر ولكنت اعطيتهم حرية اكثر في الاختيار والمطالعة ولكن الان في زمن التطور التكنلوجي الذي لايقابله تطور فكري وسياسي وتربوي يكون مستقبل المثقف اما مجهول او مشوه او متعب اذا لم يكن ضائعا. وعندما يكبرون ويعتمدون على انفسهم في الحياة اترك لهم حرية اختيار الهواية والقراءة والكتابة.
روابط ونوادي ثقافية
السيدة (ام محسن معاش) مديرة جمعية المودة والازدهار قالت: تم تأسيس نادي أصدقاء الكتاب في كربلاء للنساء والفتيات ونقوم شهريا باختيار كتاب وتوزيعه على العضوات لقراءته ومناقشته وتحليله في اجتماع خاص وهناك تنوع ملموس في اختيار الكتب.
واشارت السيدة معاش الى انها تشجع دائما على ان يصبح برنامج نادي الكتاب كظاهرة في المجتمع وهناك اكثر من نادي هنا وهناك تم انشاءه بواسطة العضوات ونأمل ان يدخل كل مؤسسة ومدرسة ودائرة وبيت... حتى نستطيع النهوض بالمجتمع نحو الأفضل بحيث يستطيع حل مشاكله بنفسه. وحتى هذا البرنامج ندخله في دوراتنا التي نقيمها للشابات. وهدفنا الرئيسي هو تحبيب القراءة والمطالعة في النفس وجعلها ضمن الجدول اليومي لكل انسان.
واكدت معاش ان المعالجات المفترضة لانعاش التوجه نحو القراءة وخاصة الكتب المطبوعةهي انشاء المكتبات المتنوعة في كل ارجاء المدينة سواء المتنقلة منها أو في الاسواق والمحال الكبيرة...
- بيان الفرق بين الانسان القارئ وغير القارئ وأثر القراءة على حياته اليومية وذلك عبر صناعة الافلام القصيرة وفي مواقع التواصل و...
- اجراء مسابقات للكتب للتشجيع على القراءة.
و(نور) من نادي القراءة الذي افتتح مؤخرا في كربلاء بمساعدة عدد من الادباء والمفكرين قالت: لنعرف الجوع الثقافي فلابد من تعريف الثقافة والتي تعني مجموعة من العلوم والفنون والآداب في الاطار العام للخصائص الفكرية والحضارية التي تتميز بها كل امة، اذن الجوع الثقافي هو العوز الكبير للثقافة و مجالاتها.
اسبابه كثيرة يمكن تلخيصها الى أسباب شخصية للفرد اذ انه يعزف عن القراءة لخوفه من المستقبل المجهول وكذلك عدم الاستخدام السليم للتقنيات الحديثة والانترنيت،واسباب مؤسساتية وهي اهمال المؤسسات الثقافية وكذلك ضعف دور وزارة الثقافة في التنمية الثقافية وقلة وجود المنتديات الثقافية، واسباب مالية فارتفاع سعر الكتب والوضع الاقتصادي السيء للفرد يشكل عبء كبير عليه، وكذلك خلل في تنشئة الفردوالمسؤول عنها المدرسة والأسرة فالمناهج الدراسية لا تخدم النهوض بالواقع الثقافي للفرد العراقي، والمعلم والاستاذ لا يشجع الطلاب على مطالعة الكتب الغير منهجية وغالبا هو ثقافة ضعيفة والاوضاع التي مر بها العراق لها دور كبير في صنع فجوة التعتيم.
ومن اجل نشر الثقافة تم انشاء نادي القراءة في كربلاء من قبل مجموعة من الشباب وبدعم من منظمة حلقات التواصل الانسانية ودور النشر ك سطور والمدى وعدد من الادباء (جاسم عاصي، علي لفته: علاء مشذوب، حميد الربيعي) واخرين اخذوا على عاتقهم مهمة نشر ثقافة القراءة وحب الكتاب وتحفيز الأشخاص من كلا الجنسيين على المطالعة والتثقيف.
مشاكل وحلول
ومن مؤسسة الإبداع الفكري للثقافة والإعلام قال رئيس المؤسسة الباحث (رياض العبيدي): تعتمد نسب ارتفاع الثقافة او انخفاضها في اي مجتمع على نجاح الامم في إيجاد مصادر ينهل منها الفرد الثقافة بكل مجالاتها. واليوم ونتيجة لظروف مختلفة نجدهناك انخفاضا كبيرا في المستوى الثقافي لدى الشاب العراقي وهذا يجعلنا في قلق وخوف على مستقبل البلاد.
ان الأسباب الحقيقية لانخفاض المستوى الثقافي لدى الشاب العراقي هي:
أولا: الظروف السياسية والأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد حيث أثرت بشكل مباشر على الشباب واهتماماتهم نتيجة انشغالها بالحروب والصراعات الخارجية والداخلية وتغليب لغة السلاح والموت على العلم والثقافة بل حولت الشباب من قوة فاعلة ومؤثرة ايجابيا الى علة من علل الشعوب حيث حولت الشاب الى الة معطلة لاتفهم سوى البحث عن المال وتقليد الأمم وحمل السلاح.
الأسرة العراقية وأولياء الأمور: لقد ساهمت الأسرة العراقية بانحراف الأبناء وتدني مستوياتهم العلمية والثقافية نتيجة انشغال الوالدين بأمور الحياة وصراعاتها وإهمال الأولاد وعدم متابعة حياتهم الدراسية وحتى لان ظلم الوالدين فإهمالهم ناتج أيضا عن الظروف الاقتصادية القاسية التي أنتجتها الظروف السياسية وحكام الفساد الذين حكموا العراق في مراحل متعددة مما جعل الوالدين يذهبا بعيدا في البحث عن كسب الرزق لتوفير لقمة العيش لأبنائهم وان كان على حساب مستقبلهم ونجاحهم.
ثالثا: المؤسسات الدينية: لقد غابت المؤسسة الدينية عن أداء واجبها في رعاية الشباب وتغذية أفكارهم وتوجيههم توجيها حقيقيا نحو المثالية في السلوك والاهتمام بالثقافة المتحررة وحب الحياة وبناء الأوطان والحث على طلب العلم وذلك بسبب ذهاب الدعاة الى حيث الحياة السياسية وتوضيب المنابر واستخدامها لاغراض سياسية.
رابعا: المؤسسة التربوية: لقد تأثرت المؤسسة التربوية تاثرا كبيرا بالسياسة العامة للبلاد والتي تراوحت بين سياسة الحروب والعسكرة الى سياسة الخطاب الطائفي والانقسام بكل مجال وهذا سبب كبير في تحويل المؤسسة من علمية وتربوية الى مؤسسة سياسية معطلة تارة وتارة مؤسسة خالية من مقومات المؤسسة الناجحة نتيجة نقصها لعوامل النجاح، فقد غاب المنهج الصحيح والمعلم المهني المستقل وفقدت الابنية المدرسية لوسائل الراحة والتعليم ناهيك عن تعطيلها لاتفه الاسباب والمناسبات وهذا كان سببا في تسرب الطلاب وابتعادهم عن الصف الدراسي مماخلق جيلا جاهلا.
الاعلام: وهو المسؤول الاكبر في جهل الشباب وغياب الثقافة لدى هذه الفئة، الاعلام بكل مجالاته كان سببا في غياب الوعي كونه يعد من الوسائل المهمة في تغيير المفاهيم لدى الامم، ان غياب الاعلام الهادف والعلمي والمستقل كان سببا في تاخر الجيل الواعد في العراق فقد غاب اعلام الحكومة الوطني المستقل واصبح اعلام قائد ولسان سلطة تلمع وتحسن الصور القبيحة للحكام الفسدة، لقد غاب التلفزيون الهادف والصحيفة الوطنية والقلم الحر حيث اصبحت كلها في خدمة السياسي الفاسد واهمال الشعب وما يحتاج في كل مرحلة من مراحله.
ان الامم التي تريد النجاة من الجهل لابد لها من الاهتمام بالمؤسسات الثقافية ولابد لها من البحث عن وسائل التنمية الفكرية ولابد لها من الاهتمام بالكتاب الذي يخلق فكرا واعيا وعقلا وجيلا خلاقا ولايمكن ان يبنى بلد من دون شعب واعي ومثقف ووطني لذلك لابد من اعادة النظر في:
اولا: في المؤسسة التربوية والتعليمية واخراجها من الصراع السياسي وكتابة المناهج الدراسية وفق اصول واسس علمية بعيدة عن المناطقية والقومية والمذهبية.
ثانيا: الاهتمام بالمؤسسات الشبابية والمنتديات الثقافية وتوفير كل سبل النجاح لها من وسائل اعلامية وثقافية وعلمية وادارتها بيد اكادميين يعلمون ماذا يريد الوطن وماعليهم من واجبات اتجاه الجيل.
ثالثا: اعادة النظر في الوسائل الإعلامية الحكومية وتاسيس تلفزيون وطني حر ومستقل يبث روح المحبة والتسامح ويعد البرامج التنموية والثقافية والعلمية.
رابعا: اعادة الروح للكتاب من خلال اعادة الاهتمام وبناء المكتبات العامة التي كانت تستقطب القارئ وتوفير وسائل القراءة والبحث العلمي الجديدة وفتح الدورات العلمية والثقافية التي تساهم في تنمية الجيل عقلانيا وبدنيا.
خامسا: المساهمة والعمل على تطوير الاسرة العراقية اقتصاديا وعلميا وثقافيا والعمل على تأسيس المؤسسات التي تهتم بالاسرة ورعايتها وتقديم المشورة لها.
سادسا: على المؤسسة الدينية اعادة النظر في تقديم الداعية الواعي والذي يملك خطابا عقلائيا حر ومتفتح والذي يملك لغة المحبة والتسامح وبث الامل في الاجيال القادمة.
اضافةتعليق
التعليقات