تصاغ السياسات لكي تحقق أهدافاً منشودة وغايات مبتغاة، من هنا جاء ارتباطها بالأيديولوجيات التي يتبناها المجتمع، فالسياسة ما هي إلا البعد التطبيقي للأيديولوجية المحددة في مجال من المجالات.
ولصياغة السياسات؛ لابد من التعرف على الواقع الفعلي، وعلى الموارد المتاحة، وإمكانية الاستفادة من تلك الموارد. لذا يبدو أن وضع سياسات اجتماعية للنهوض بالمرأة أمر يتسم بالصعوبة في إطار مجتمع نام، يمر بمرحلة انتقال غاية في الصعوبة، لها متطلبات ملحة، وتمر بأزمات اقتصادية متعددة، وزيادة سكانية كبيرة؛ في إطار من قلة الموارد المتاحة، مما يخلق العديد من المشكلات التي تبدو في ظاهرها متفرقة، في حين أنها مترابطة في الحقيقة، تؤدي كل منها إلى الأخرى، أو تتفرع عنها، أو تتسبب فيها، بما يجعلها تدور معاً في فلك واحد، يجعل التصدي لحل إحداها يتطلب ضرورة حل المشكلات الأخرى.
وتتجلى صعوبة صياغة تلك السياسات في كونها تتم في إطار تراث ثقافي متراكم ذي أيديولوجية خاصة تدني من مكانة وتعلي من شأن الرجل، وتخلق أشكالاً متعددة تعمل على التمييز بينهما، وهي أفكار موروثة عميقة الجذور يصعب تغييرها والعمل – في إطارها – على وضع أسس المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
ولعل مناقشة قضية تصوير المرأة بشكل سلبي في وسائل الإعلام إنما هي أحد مردودات الموروثات الثقافية التقليدية، على الرغم من كونها قضية تتم في إطار العدالة الاجتماعية، وتحقيق الديمقراطية، وتأكيد حقوق الإنسان، بل التخفيف من حدة الفقر الذي تتسع رقعته يوماً بعد يوم بشكل يدعو إلى مزيد من القلق.. فالمرأة نصف المجتمع، ونصف طاقته الإنتاجية.
من هنا كان تمكينها من المشاركة ضرورة تنموية واجتماعية، وهدفاً منشوداً يجدر العمل على تحقيقه في إطار من العدالة والمساواة، واستناداً إلى ما توفره المواثيق الدولية والتشريعات المحلية التي تعمل على القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
ولا ندعي أن المرأة خلال الفترة الأخيرة لم تحرز تقدماً في إطار تغير أوضاعها الاجتماعية، بل على العكس، فقد كان لها دورها الفاعل والمؤثر على كافة الأصعدة على المستوى المحلي والدولي. كما كان للدولة دور رائد في مساندتها مساندة قوية بما أتاحته لها من آليات تساعد على تنميتها، مما أدى إلى إحراز تقدم في مسيرة تغير أوضاعها الاجتماعية. ولكن حجم المشكلات التي واجهتها المرأة وعمق جذورها لم يمكن النسبة الغالبة من النساء من تحقيق أهداف التنمية التي كان من المستهدف تحقيقها، فقد عاقت تلك التنمية موروثات ثقافية متخلفة، وتنشئة اجتماعية تدعم الفروق بين الجنسين، وأساليب اتصالية يصور جانب منها المرأة بما لا يتناسب وواقعها المعاش، وفرصاً تعليمية غير متساوية بين الجنسين، ونسباً مرتفعة للأمية وما يترتب عليها من بطالة منتشرة ونقص في التدريب، وأعباء أسرية لا توزع توزيعاً عادلاً بين أفراد الأسرة، وفرصاً محدودة في اتخاذ القرار التشريعي والتنفيذي والأسري، وتشريعات قانونية أصبحت في حاجة ماسة إلى التعديل ملاءمة لعصر متغير.
ولا شك أن تنمية المرأة اجتماعياً لن يتحقق إلا بالتغلب على مايواجهها من عقبات، مع توفير المناخ الاجتماعي والثقافي الملائم الذي يمكنها من أداء دورها باعتبارها شريكاً كاملاً في تنمية المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات