رن جرس المنزل بعد منتصف الليل، استيقظ زوجي واسرع نحو الباب، علامات الخوف من المجهول تعلو ملامح العائلة، لا نعرف من هو الطارق في هذا الوقت؟ وبهذه الظروف المضطربة، نتردد كثيرا، نفتح الباب ام نغلق زر الجرس، اسرع زوجي وفتح الباب، بهت زوجي!. صرخت من... من؟ اجابني ان لا احد، هناك كيس مرمي عند عتبة الدار.
اتجهت نحوه لأجد زوجي جالسا على الارض، مرتبكا لا يعرف ماذا يقول، تصورت في لحظتها ان في يد زوجي جثة، او عبوة، لما بدا عليه من الخوف والحيرة، اقتربت من الكيس وجسدي يرتعش كورقة خاوية تكاد ان تسقط عند اول هبة هواء، امسكت بزوجي واقتربت اكثر بين التردد والانسحاب، وقفت، لدي رغبة شديدة في الرجوع الى البيت واغلاق الباب، وكأن شيئا لم يحصل.
لكن زوجي وقف منتظرا، لا اعرف ماذا كان ينتظر، هل ينتظر رسالة، او ماذا، حاولت كثيرا ان اسحبه لفناء الدار، لكن محاولتي تأتي بالرفض والصراخ، يا الله اي مصيبة هذه، خربشات داخل الكيس وصوت ضعيف لا يقوى على سماعه لا من كان خائفا مثلنا، توسلت بزوجي ان يترك الكيس، ليجيرنا من المصيبة، نظرت اليه، مزق الكيس، خفت كثيرا جعلت يدي على عيني، ورجعت الى الخلف، لم اسمع شيء، مازلت مغلقة العينين، ماذا حصل؟ تجرأت وفتحت عيني، قطعة لحم صغيرة كانت بيد زوجي، لا يعرف نوعه، او قد تكون عيني من الدموع غرقت واصبحت لا ترى جيدا، دفعني نحو الباب، جلب قطعة قماش صغيرة ولف بها، قال لي بصوت حزين: لا تخافي انه طفل.. طفل..
صوتي كان مدويا: في البيت طفل، من رمى به عند الباب، تزوجت وانجبت زوجتك، تزوجت وانا لا اعلم، اقسم زوجي انه لم يتزوج ولم يخطر في باله هذا الامر، واعرف جيدا انه لا يقسم كاذبا، طلب مني الهدوء والاصغاء جيدا، انه طفل مجهول لا يعرفه، ومن المعقول ان يكسيه ويطعمه حتى لا يموت.
حنّ قلبي لرؤيته وهو في هذه الحالة عريان لم يمضِ على ولادته ساعات فقط، الحبل السري والدماء متجمدة في رأسه، سخنت الماء وجهزت قطع ثياب كبيرة عليه، لكي تحميه، شارف الفجر وما زلت جالسة بقرب الصغير، لسوء الحظ لا املك في البيت "الببرونة" وحليب الاطفال، المتوفر في البيت حليب للكبار فقط، ارضعته من هذا الحليب عن طريق "السرنجة"، كان جائعا، وصوته وهو يشرب الحليب يُبكي، تشعر انه كان من الاموات، وبهذه القطرات اعادته الى الحياة.
زوجي كان يراقبني جيدا، ويساعدني في جلب الاشياء، فمنذ زمن طويل لم انجب اطفالا، اصغر طفل لي في الجامعة، بين احضاني نام الرضيع، دخل في قلبي شيء من الحزن لحالة الطفل، وتساؤلات كثيرة حفرت في مخيلتي، كيف لأم ترمي بطفلها هكذا، ما ذنب هذا الطفل، ماذا سيكون مصيره، "مجهول النسب"، هذه العبارة التي ستحطم حياته، جاء الصباح مبكرا هذا اليوم، زوجي كان على اصرار ان يذهب الى مركز الشرطة ويبلغهم، ويأخذ الصغير معه، لم اوافق على طلبه، توسلت ان يترك هذا الطفل الصغير بين احضاني، اعوضه عن تلك الرمية القاسية بحضن دافئ، اناغي ليله الوحيد، واكون تلك الجنة التي رفضت ان تكون تحت اقدام امه، فأصبحت نار تطغى.
ماذا اسميك يا حبيبي، فكرت كثيرا اي اسم يليق بك، اخترت ان يكون اسمك؛ امير، مرت الايام واميري بين يدي، لا احد من أقاربي يعرف حقيقة الامر، فقد ابلغتهم انه يتيم مات ابويه بحادث سير وانا من تكفلت به، خوفا من نظراتهم المشفقة، وكلامهم الجارح وقد ينقصون من قدره ويجعلونه في محط الاتهام فقط لأنه مجهول النسب، امير يبلغ من العمر الان اربع سنوات، يناديني ماما والى زوجي بابا، لا اخفي عليكم ان ابنائي لا يرحبون به، واحيانا يتذمرون منه، واكثر من مرة قالوا انهم غير راضين عن وجوده، ماذا افعل لا استطيع ان اتخلى عنه، هل الشرع والقانون يقفان معي ومع هذا الطفل.
اجابني الشرع بهذا الحكم
مسألة 746: يستحب أخذ اللقيط، بل يجب كفاية إذا توقف عليه حفظه سواء أ كان منبوذاً قد طرحه أهله في شارع أو مسجد ونحوهما. عجزا عن النفقة أو خوفاً من التهمة. أم غيره، ولا يعتبر عدم كونه مميزاً بعد صدق كونه ضائعاً تائهاً لا كافل له.
مسألة 747: من أخذ اللقيط فهو أحق من غيره بحضانته وحفظه والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره إلى أن يبلغ فليس لأحد أن ينتزعه من يده ويتصدى حضانته غير من له حق الحضانة تبرعاً بحق النسب. كالأبوين والأجداد. أو بحق الوصاية كوصي الأب أو الجد للأب، فإذا وجد أحد هؤلاء خرج بذلك عن عنوان (اللقيط) لما تقدم من أنه الضائع الذي لا كافل له، الظاهر وجوب تعريف اللقيط إذا أحرز عدم كونه منبوذاً من قبل أهله واحتمل الوصول إليهم بالفحص والتعريف، و يشترط في ملتقط الصبي: البلوغ والعقل فلا اعتبار بالتقاط الصبي والمجنون، بل يشترط فيه الإسلام إذا كان اللقيط محكوماً بالإسلام، ولا وارث له فميراثه للإمام عليه السلام، لا يجوز للملتقط أن يتبنى اللقيط ويلحقه بنفسه، ولو فعل لم تترتب عليه شيء من أحكام البنوة والأبوة والأمومة.
في العرف هو الطفل الصغير الذي طرحه أهله خشية الفقر أو خوفا من تهمة الزنا، قد لا يكون كل الاطفال هم ابناء الحرام، كما سمعنا ان هناك امهات تخاف من الفقر فترمي طفلها امام باب الاغنياء، وام تبيع طفلها، واخرى انجبت بنتا حتى لا يقع عليها الطلاق ترمي بالبنت وتأخذ الولد، كما في الدراما التي عرضت الكثير من هذه القصص، وهناك ايضا طفل حصل في لحظة الحرام ودفع ثمن خطيئة لم يرتكبها، وقد يكون مسروقا من احدى المستشفيات لغرض الفتنة والقتل، في كل هذه الادوار الطفل هو من يقع عليه الاثم ويلاحق من المجتمع، لانهم لم يروا الابوين وانما شاهدوا زرعهم.
غرقت بالهمّ والحزن لفراقه فقد قضى معنا اياما لا تنسى، جهزت حقيبته وجعلت له مبلغا من المال في حوزته، وذهبت معه حيث لا رجعة بعدها، الى ذاك الدار، ليعيش مع الاولاد ويشاركهم، لأن وجوده معنا في البيت اصبح حراما فقد دخل سن التكليف، اودعته في الدار وكلي أمل ان يعيش بأمان وسلام وان لا يتعرض للبرد او الجوع مرة اخرى. لن اتركه، اوصيت كل من في الدار عليه، وكلما سنحت لي الفرصة ازور اميري الصغير الذي اصبح الان رجلا.
بإسم الانسانية نقول ارحموا الاطفال من خطاياكم فما ذنبهم، سوف تقفون أمام الله يوما عن الأمانة التي رميتم بها امام الدار او الجامع، عن هذه النفس البريئة، (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، انقذوهم من بحر الخطايا وخذوا بأيديهم نحو التوبة واصلاح الذنب.
اضافةتعليق
التعليقات