قال تعالى في محكم كتابه: {وَیَوۡمَ یَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ یَدَیۡهِ یَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِیلࣰا، یَـٰوَیۡلَتَىٰ لَیۡتَنِی لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِیلࣰا ، لَّقَدۡ أَضَلَّنِی عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَنِیۗ وَكَانَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِلۡإِنسَـٰنِ خَذُولࣰا }1
ورد الفعل (ظلم) ومشتقاته في القرآن الكريم في نحو (289) موضعًا، تتموضع في أكثر من نصف سورة. وقد جاء الفعل (ظلم) في صورة خمس وثلاثين مشتقة لغوية، أكثرها ورودًا مشتقة {ظالمين}، وهذا القدر من ذكر الظلم ومشتقاته يدل على مدى خطورة هذا الداء العضال على الأفراد والجماعات والمجتمعات.
بالنظر إلى مفردات تلك الآية الكريمة أعلاه (يوم يعض الظالم/ياليتني/ياويلتي/ليتني)
يتبين أن هناك يوما عصيبا وحسرة وندامة ومحكمة كبرى تترقب الظالم على أثر قدمت يداه، فيا ترى من هو ذلك الظالم، وماذا فعل حتى أصابته تلك الندامة؟.
لا يجيب على تلك الأسرار إلّا أئمة الهدى ومصابيح الدجى (صلوات الله وسلامه عليهم): جاء في مجمع البيان لمعنى الآية أعلاه {وَیَوۡمَ یَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ یَدَیۡهِ یَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی ..}.
أي (عض الظالم على يديه ندامة يوم القيامة): أي إنه يأكل يديه حتى تذهبا إلى المرفقين ثمّ تنبتان، ولا يزال هكذا كلما نبتت يده أكلها ندامة على ما فعل.
وأما تأويله : .. ، عن أبي عبد الله (صلوات الله وسلامه عليه) قال: قوله عزَّ وجلَّ (ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) يعني علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه). هو السبيل إلى الهدى المتخذ مع الرسول، (صلوات الله عليهما) وعلى ذريتهما..
وجاء في تفسير الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) بيان لذلك، قال عليه السلام: عن أبيه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما من عبد ولا أمة أعطى بيعة أمير المؤمنين علي صلوات الله وسلامه عليه في الظاهر، ونكثها في الباطن، وأقام على نفاقه إلّا وإذا جاءه ملك الموت لقبض روحه تمثل له إبليس وأعوانه، وتمثلت له النيران وأصناف عقاربها لعينيه وقلبه ومقاعده من مضائقها، وتمثل له أيضا الجنان ومنازله فيها لو كان بقي على إيمانه، ووفى بيعته. ..
فعند ذلك يقول: (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) وقبلت ما أمرني به ربي والتزمت من موالاة على ما ألزمني.
عن أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: والله ما كنى الله في كتابه حتى قال (يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا).
وإنما هي في مصحف علي صلوات الله وسلامه عليه (يا ويلتى ليتني لم أتخذ - الثاني - خليلا) وسيظهر يومًا. فمعنى هذا التأويل: أن الظالم العاض على يديه هو الأول والحال بيّن لا يحتاج إلى بيان. .. وعنه أيضًا قال: (يوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) قال: يقول الأول للثاني)2.
والرواية التالية عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) تفيد بأن هناك محكمة كبرى سوف تعقد أمام الخلق أجمع في ساحة المحشر يوم القيامة للسيدة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ، سوف يوقفها الله تعالى عند عرشه لتحكم في مَن ظلمها ،جاء فيها: (وأما ابنتك فاني أوقفها عند عرشي فيقال لها: ان الله قد حكمك في خلقه فمن ظلمك وظلم ولدك فاحكمي فيه بما أحببت فاني أجيز حكومتك فيهم فتشهد العرصة، فإذا وقف من ظلمها أمرت به إلى النار، فيقول الظالم: وا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله، ويتمنى الكرة، ويعض الظالم على يديه ويقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلانًا خليلًا.
وأول من يحكم فيهم محسن بن علي صلوات الله وسلامه عليه وفي قاتله، ثم في قنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه-(الأول والثاني)-، فيضربان بسياط من نار، لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رمادا، فيضربان بها ثم يجثو أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بين يدي الله للخصومة مع الرابع، فيدخل الثلاثة في جب فيطبق عليهم، لا يراهم أحد ولا يرون أحدًا، فيقول الذين كانوا في ولايتهم: ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين، قال الله عزَّ وجلَّ: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم انكم في العذاب مشتركون. 3
فيقال لهم عقيب ذلك: "ولن ينفعكم اليوم "أي هذا اليوم" إذ ظلمتم "آل محمد حقهم" أنكم في العذاب مشتركون " التابع منكم والمتبوع، وأصول الظلم والفروع)4.
فعند ذلك ينادون بالويل والثبور، ويأتيان الحوض فيسألان عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ومعهم حفظة، فيقولان: اعف عنا واسقنا وتخلصنا، فيقال لهم: فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون بإمرة المؤمنين، ارجعوا ظمأ مظمئين إلى النار، فما شرابكم إلّا الحميم والغسلين، وما تنفعكم شفاعة الشافعين5.
وينقل جابر بن يزيد في رواية أخرى عن ما رواه الإمام جعفر الصادق عن جده علي أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما ، قال: (..يتلاعنان في دُورهما، ويتبرأ كل [ واحد ] من صاحبه يقول لقرينه إذا التقيا (ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) فيجيبه الأشقى على رثوثة (يا ليتني لم أتخذك خليلا لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا) ،- فيقول أمير المؤمنين - فأنا الذكر الذي عنه ضل، والسبيل الذي عنه مال، والإيمان الذى به كفر، والقرآن الذي إياه هجر، والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب. ولئن رتعا في الحطام المنصرم، والغرور المنقطع، وكانا منه على شفا حفرة من النار لهما على شر ورود في أخبث وقود، والعن مورود يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة، مالهما من راحة، ولا عن عذابهما مندوحة)6.
وتفيدنا تلك الآية الكريمة { ..فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ}7 .. نزلت في علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهما).
وإن الله تعالى وعد نبيه المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) بأنه ينتقم وسينتقم بعلي أمير المؤمنين من فلان وفلان، عاجلًا أم آجلا.
-------
اضافةتعليق
التعليقات