كانت الاشتباكات على الحدود عنيفة بين الدولة الإسلامية ودولة الروم، فهدد امبراطور الروم عبد الملك بن مروان بقطع النقد عن الدولة الإسلامية إذا لم يتنازل عن المناطق المتنازع عليها، فارتاع عبد الملك ولم يدرِ ما يصنع، وجمع أعيان المسلمين يستشيرهم فلم ينتهوا إلى نتيجة، فأشار بعضهم بالرجوع إلى الإمام الباقر.
أرسل عبد الملك يدعو الإمام إلى الشام، ولبى الإمام الدعوة وعندما عرضت عليه الأزمة، قال الإمام لعبد الملك: لا يهولنك ما ترى أرسل إلى ملك الروم واستمهله مدة من الزمن، وخلال هذه المدة أرسل إلى حكام المدن والأقاليم وأمرهم بجمع الذهب والفضة، حتى إذا توفرت الكمية المناسبة، باشر بضرب النقود الإسلامية.
ثم حدد له الإمام وزنها وشكلها، وأمره أن يكتب على أحد وجهيها: محمد رسول الله ، فإذا انتهى العمل منها يمنع التعامل بالنقد الرومي وعندها لا يبقى لإمبراطور الروم نفوذاً يستغله ضد الدولة الإسلامية.
ولما انتهى العمل وتوفر النقد الإسلامي، بعث عبد الملك رأيه النهائي في مسألة الحدود، ولم يجد إمبراطور الروم وسيلة للضغط الاقتصادي فاختار الحل العسكري، ولكنه أخفق في ذلك أيضاً بعد تصدى المسلمون لجيوشه.
وهكذا أنقذ الإمام الباقر دولة الإسلام من استغلال الأعداء وأصبح لهم نقد مستقل يحمل شعار الإسلام.
توفرت للإمام الباقر عليه السلام فرصة حسنة لنشر العلم وإرساء معالم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن انصرف الأمويون إلى إخماد القلاقل هنا وهناك.
وقد برز في عهد الإمام بعض تلاميذه الذين كان لهم دور كبير في نشر معارف أهل البيت (عليهم السلام)؛ وفي طليعتهم:
1. أبان بن تغلب: وقد عاصر ثلاثة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد حضر مجالس الإمام السجاد والإمام الباقر كما لازم الإمام الصادق (عليهم السلام) ولكنه أخذ عن الإمام الباقر أكثر وكان متفوقاً في علوم الفقه والحديث والأدب واللغة والتفسير والنحو ، وقد قال له الإمام الباقر: اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك.
2. زرارة بن أعين: قال فيه الإمام الصادق (عليه السلام): لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب. وكان يترحم عليه قائلاً الله زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي.
3. محمد بن مسلم الثقفي: كان الإمام الصادق يجله و يحبه؛ وهو أحد الأربعة الذين قال فيهم الصادق (عليه السلام): أربعة أحب الناس إلى أحياء وأمواتاً ، كما أمر بعض أصحابه بالرجوع إليه قائلاً : أحاديث أبي وكان عنده وجيهاً، وكان محمد بن مسلم يقول : سألت أبا جعفر الباقر عن ثلاثين ألف حديث.
وقد أثنى الإمام الصادق على أصحاب أبيه، وكان يقول: لو أنّ أصحابي سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي أصحابه . . . إنّ أصحاب أبي كانوا زينا لنا أحياء و أمواتاً.
ومن أصحاب الإمام الباقر أيضاً: الكميت الأسدي الشاعر المعروف كان الإمام الباقر يقول – كلما لقاه: اللهم اغفر للكميت.
قال الإمام لأحد أصحابه : أوصيك بخمس: إن ظُلمت فلا تظلم ، وإن خانوك فلا تخن، وإن كُذِبت فلا تغضب، وإن مُدحت فلا تفرح، وإن ذممت فلا تجزع.
اضافةتعليق
التعليقات