إن لكل حدث تاريخي عام، ولكل واقعة وقضية تاريخية مهمة أبطال، تتمحور تلك القضية والواقعة حولهم، وتدور على رحاهم، وان حادثة كربلاء، وواقعة الطف، وقضية عاشوراء، لمن أهم الحوادث والوقائع والقضايا، في التاريخ الماضي والمعاصر، وللمسقبل.
فلابد ان يكون لها ابطال يشكلون المحور لها، ويكونون القطب منها، ويحتلون النقطة المركزية فيها، فمن هم اذن ابطال هذا الحدث المهم، وصناديد هذه الواقعة المهمة، وشجعان هذه القضية العظيمة ؟ بلاشك نحن نتحدث عن واقعة كربلاء العظيمة وبطلها الامام الحسين "عليه السلام"، فهو الذي كان كبير بني هاشم وسيد أهل بيت رسول الله ﷺ بعد شهادة أخيه الامام الحسن المحتبى، ولذلك قصده بنو امية بالذات، لأخذ البيعة لهم بالقوة. وكما أُعد الامام الحسين (عليه السلام) ليكون قائد الأمة بعد جده رسول الله "صلى الله عليه وآله" كانت ربيبة الزهراء "عليها السلام" السيدة الجليلة زينب هي المرأة القيادية بعد أمها الزهراء (عليها السلام). فورثت ابنتها الوفية ابنة علي أمير المؤمنين، كل خصالها الخيرة، وجميع صفاتها الحميدة، والتي على رأسها الحفاظ على حدود الله تعالى وحرمانه، وصون كرامة رسول الله المصطفى وأهل بيته، وعلمتها كيف تقف امام المعتدين بهم، وتشجب اعمالهم، وتحاججهم بكتاب الله، وتخاصمهم بالعقل والمنطق السليم، وأوصتها بأن تجود بالبذل والعطاء فيما لو استدعى وقوفها بوجه المعتدين الى الفداء والتضحية، حتى ولو كان بالنفس، بل واصعب منه وهو السبي والأسر، لأن السبي والاسر أَمرُ من الموت والقتل على الانسان الغيور.
وكذلك فعلت السيدة زينب فقد عملت بوصية امها كاملاً، وطبقتها، فكانت هي الشخصية الثانية في واقعة كربلاء الأليمة. هذا وللسيدة زينب الكبرى الفضل الكبير - كما لاخيها الامام الحسين في إحياء اسم كربلاء . فانها اشترت باسارتها وسببها حياة كربلاء، بل واستمرار حياة كربلاء، وكذا دوام إسمها رمزاً للتضحية والفداء، وبقاء عنوانها حياً يتفاعل مع النفوس والأرواح، ويتجاوب مع القلوب والعواطف، ويسخر الهمم والأفكار، وينير الدروب والمسالك، ويخيف الطواغيت والجبارين، ويرعب المنافقين والمدسوسين.
وذلك على مدى العصور والأزمان، وكرور الليالي والأيام، حتى قال قائلهم : اقتلوا كربلاء، وحتى خطط مخططهم لابادة كربلاء، ونفذ منقذهم مخططاتها، ولكن هيهات، فان اخلاص السيدة زينب وكذلك اخيها الأمام الحسين في احياء كربلاء وابقاء حياتها، دفعت في كربلاء روحاً قوية لا تضعف ابداً، ونفساً طرية لا تذبل الى يوم القيامة، رغم كيد الاعداء لتضعيفها، ومكر الماكرين لاخمادها وابادتها، وذلك كما صرحت به السيدة زينب لابن أخيها الامام زين العابدين في يوم عاشوراء، وفي ساعة حرجة، كانت المؤشرات كلها، والعلامات الظاهرية بأجمعها، تشير الى موت كربلاء وموت اسمها، وموت النهضة التي قامت فيها، وموت اصحاب النهضة الذين استشهدوا من اجلها، حتى ارتد الناس على اثرها، وكما ارتد الناس بعد رسول الله وانقلبوا على اعقابهم .
ففي تلك الساعة الحرجة، واللحظات العصيبة، والأيام العجاف، تقول السيدة زينب وهي تسلي ابن أخيها الإمام زين العابدين، وذلك بكامل ايمانها ويقينها : ( ينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يمحى رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن ائمة الكفر، واشياع الضلال في محوه وتطميه، فلا يزداد إلا علواً ).
وأقرت بمواقفها الشجاعة عين أمها، وحافظت بقيمة أسرها وسببها على حدود الله وحرماته، وصانت قدسية جدها رسول الله وكرامة أهل بيته من تهم بني امية وافتراءاتهم . وهذا الذي فعلته السيدة زينب لم يفعله غيرها وغير امها من النساء العظيمات، ولم تقدم واحدة منهن للدين واهله ما قدمته فاطمة الزهراء وابنتها زينب، كما لم تؤثر واحدة منهن في بقاء الدين واهله نزيهاً ومباركاً بقدر التأثير العظيم الذي أثرته فاطمة الزهراء وابنتها زينب، مما يكشف عن ان السيدة زينب هي المرأة الثانية في العالم من الأولين والآخرين بعد امها، يعني المرأة الأولى هي أمها فاطمة الزهراء، ثم هي، ثم بقية النساء العظيمات كخديجة . الكبرى، ومريم العذراء .
وذلك لان فاطمة الزهراء اضافة الى تفوقها في حفظها حدود الله وحرماته، قد جمعت في نفسها كل خصال الخير، وجميع صفات الكمال التي تحلت بها النساء العظيمات قبلها، ثم ورثتها ابنتها الوفية السيدة زينب، فصارت السيدة زينب الوارثة لكل الكمالات لمن كان قبلها، مزدانة بعلو نسبها، وشرف فرعها وأصلها : شجرة خاتم الأنبياء ودوحة سيد الأوصياء. فصارت كربلاء ذالك الوهج الذي يستقطب المحبين والعارفين وقدرشأن اهل البيت والعارف بحقهم بل حتى من الديانات الأخرى. فكربلاء تقصد طول أيام السنة مرات وخاصة ليالي الجمعة، وفي المناسبات وصارت معهداً تخرج الابرار والصلحاء، والأخبار والأتقياء، ومدرسة تربي الاحرار والأبطال، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والصارخين بوجه الظلم والاستبداد، والمنقذين شعوبهم من الطواغيت واذناب الاستعمار .
_________________
اضافةتعليق
التعليقات