"هل أنت مستعد للأربعين؟" هكذا سؤال عندما يُطرح أمام من هو متيقن أن لا فرصة عنده ليكون مع تلك الجموع سائر حيث كربلاء، ومتواجدًا لتقديم العزاء والمواساة عند قبر سيد الشهداء (عليه السلام)، قد يرى إنه بالأصل غير مشمول في هكذا سؤال لكي يلتفت أو يفكر بالإجابة عنه! بينما هو بالحقيقة هكذا يبخس نفسه ويتنازل عن بلوغ نصيبه!.
فهل زيارة الأربعين لمن يكون سائرًا أو حاضرًا عند مرقد سيد الشهداء، وهل الثمار المرجو بلوغها يمكن أن ينالها ويقطفها من كان ببدنه قرب غصن تلك الشجرة الطيبة المباركة في حضرة أبي عبد الله(عليه السلام) حصرًا؟
بلا شك، لا! فالكل يمكن أن يكون حاضرًا ويكون من أهل زيارة الأربعين -ونقصد بالكل- أي كل من هو ملتفت إلى عظمة هذه الأيام، ويدرك شأن هذه الزيارة ووجاهة صاحبها عند الله تعالى.
فمعنى "الزيارة" هو الإلتفات إلى ذلك المزور والتوجه إليه، أي أن هذا الشرط هو الذي يُحدد كون الإنسان القريب أو البعيد ببدنه زائرًا أم لا، هو ممن قد استثمر أجواء الزيارة أم لا؟
ففي الظاهر نعم الذي يسير في طريق الزيارة، والذي يكون في داخل الحرم، وفي وسط أجواء العزاء، تكون الظروف مهيئة له، والبركات والأنوار تجعله مستعداً للإلتفات وتحقيق جوهر ومقصد الزيارة أكثر.
ولكن الحرقة القلبية والشوق والشعور بالحياء من التقصير عند من لم يكن مع السائرين والحاضرين في أرض كربلاء، من شأنها أن تكون النافذة التي تَفتح أمام صاحبها ليكون من أهل التوجه والالتفات إلى حضرة إمامه، فينال حظه من الزيارة ويكتب زائرًا بإذن الله تعالى.
كما إن الاختبارات التي يمر بها الزائرين أثناء المسير، والتي هي مصنع لتقويم السلوك؛ لأنها مهذبة ومنبه للإنسان الزائر فبها يكون ملتفتا لنفسه، ولسلوكياته، وتعاملاته أكثر من أي وقت آخر، لأن المُشغلات عن مقصده أقل.
هي متاحة حتى لمن لم يذهب، فهو قادر أن يجعل من هذه الأيام أوقات مراقبة ومحاسبة للنفس، فالمجتمع الذي يحتك به ذاك السائر والمعاملات الحياتية هي ذاتها، والجميع معرض لها في كل حين.
ولكن الفرق بأن هناك من هو ملتفت دائمًا-وهذه هي الغاية الأصل من هكذا تجمعات أن يكون السلوك الطيب الذي يُظهره الزائرين دائمي - وهناك من يحتاج إلى أن يُخص بفرصة وظرف ومكان ما -كمسيرة الأربعين- ليلتفت وليراجع ذاته.
بالنتيجة كل النفوس والقلوب المرتبطة بهذه الزيارة هي ستختبر، فمن ذهب وحضي بالمسير وقع عليه اختبار التأدب أمام هذا التوفيق العظيم، ومن لم يذهب فهو تحت اختبار الرضا والتسليم تجاه إرادة الرب الحكيم، وكل من ينجح هو ممن زار ووصل، فالإمام الحُسين (عليه السلام) هو السفينة التي صارت أوسع السفن لتشمل الجميع، تشمل كل من وصل بقلبه وقالبه ليرقيه، ومن وصل بقالبه لينقيه.
إذن الكل قادر أن يستثمر أيام الأربعين والاستمداد من أنوار الإمام الحسين (عليه السلام)، فهي فرصة لابد أن يستعد لها الجميع، ليكون حاضرًا وملتفتًا لمولاه، ليحظى بأن إمامه يَقبله ويلتفت إليه ليصنع منه إنسانًا حسيني المظهر والجوهر.
اضافةتعليق
التعليقات