إن الله تعالى مكّن الإنسان من فعل الخير أو الشّر، ومنحه؛ حقّ الإختيار، وفي الوقت نفسه شجّعه على فعل الخير والإقلاع عن الشر كما دعاه للتوبة، وعلمه كيفية تشذيب النفس والثبات على النية الحسنة والعمل بالمبادئ والسلوك القويم الذي أمره الله باتباعه، ولم يجعله تائهاً في الدنيا تتضارب أفكاره وتتلاعب به رياح الفتن والفوضى.
فوضع المجتمعات الحالية التي يعيش فيها المسلمون، وأنواع الفتن والمغريات التي بنارها يكتوون، وأصناف الشهوات والشبهات التي بسببها أضحى الدين غريباً، فنال المتمسكون به مثلاً عجيباً (القابض على دينه كالقابض على الجمر).
ولا شك عند كل ذي لب أن حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظم حاجة، والجهد المطلوب لتحقيقه أكبر؛ لفساد الزمان، وندرة الأخوان، وضعف المعين. فالثبات على العقيدة والنية الراشدة لا يدركها أي فرد إلا بهداية الله، وجهاد النفس والعمل عليها.
وحفظها من المعاصي والمحرمات والثبات على المستحبات والعمل بما يرضي الله عن طريق الإيمان الصالح بكتاب الله واتباع أهل البيت. وفي كل الأحوال لاضمان لأي أحد بالثبات على طريق الحقٍ إلاّ بالدعاء والاستعانة بالله تعالى والسعي أيضاً فالأمر بحاحة إلى دعاء وخشوع وتضرّع. والله ادرى بخلقه فأرسل إليه الأنبياء والكتب، وجعل له الأئمة الذين يهدونه ويعلّمونه.
كيف نحصّن نياتنا؟
الشك في النية مسألة مهمّة جداً تتطلب انتباهاً كبيراً من الإنسان؛ لأنّ الشيطان يركّز كلّ جهوده عليها من أجل أن يزلّ الإنسان ويحرفه عن الهدى الصالح والطريقة الحقّة. ولكي نعرف أبعاد حملة الشيطان علينا فلنتأمل في الآية التالية فهي تحكي عن عزم إبليس وإصراره على إغواء البشر، وهو يقسم لله تعالى، على ذلك؛ كما جاء في القرآن الكريم: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ). أي لا أدعهم يصلون إليك، بل أقف في طريقهم! فكلّما أتوك من جهة واجهتهم منها حتى اصرفهم عنك، ومن ومن لا تنفع معه المصارحة - أي الإتيان من أمام- أتيه من الخلف، أي البست له الحقّ بالباطل، أو قلت له: انظر إلى فلان وفلان ارتكب كذا وهو أعظم منك شئناً أو أحسن منك حالاً ومعاشاً.
فيدخله في صراعات ومتاهات من النفس وشهواتها. لذا وجب الحذر من ألاعيب الشيطان وأساليبه. وأفضل الطرق والخلاص من وسوسوسة الشيطان وحفظ النفس من تقلبات النية الصادقة هي:
أولها: طلب الدعاء من الله تعالى نيّة الرشد والثبات عليها. والدعاء من صفات عباد الله المؤمنين وأنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم كما جاء في الآية الكريمة: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}.
حتى أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يكثر من قول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» فما بالك بالإنسان العادي.
ثانياً: الإقبال على القرآن العظيم لأنه وسيلة الثبات الأولى، وهو حبل الله المتين، والنور المبين، من تمسك به عصمه الله، ومن اتبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.
نص الله على أن الغاية التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت. ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين ربطوا حياتهم بالقرآن وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتدبراً، ومنه ينطلقون، وإليه يفيئون، وبين من جعلوا كلام البشر جل همهم وشغلهم الشاغل. ويا ليت الذين يطلبون العلم يجعلون للقرآن وتفسيره نصيباً كبيراً من طلبهم.
ثالثاً: عترة النبي الطاهرة صلّى الله عليه وآله، فهما السلم الأمثل والمعيار الحق الذي نعرف من خلالهما أي بتمسكنا والتزامنا بهما وعدم الإبتعاد عنهما؛ عدم انحرافنا عن الطريق الحقّة وعدم استبدالنا شيئاً بالهدى الصالح، فلا نشكّ في نيّاتنا البتّة. فإن لم نتّخذ أهل البيت سلام الله عليهم ملاكاً وعروة فلا ضامن لنا من الاستبدال لأن لدينا متخصّص في الإغراء والإغواء، ومتفرّغ لنا ولا شغل له غير ذلك.
إن كلّ شيء يمكن أن نُخدع به في هذه الدنيا لا يستحق أن نساوم به على ديننا، فإنّ الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فالثبات على النية والعقيدة يحتاج إلى أفضل أنواع الجهاد ألا هو جهاد النفس. لتحضى برضا الخالق وهو جل ما يرمي إليه الإنسان المؤمن والفوز بالجنة.
***************
اضافةتعليق
التعليقات